أعجب لمن لا يقرأ. ويصدر أحكامه علي ما لم يقرأه. يسأل عن اختفاء الأدب المقاوم وصراعنا قائم ضد قوي شريرة. كثيرة. يسأل عن كتب السيرة الذاتية: ماذا صدر بعد أيام طه حسين؟ وندرة الروايات التي تناولت العلاقة بين الشرق والغرب بعد قنديل أم هاشم ليحيي حقي. وأديب لطه حسين. وعصفور من الشرق للحكيم. ثم يعلو صوته متسائلاً: لماذا خلت الأعمال الروائية التالية من العلاقة المرتبكة بين الشرق والغرب. ولأنه لم يقرأ فهو لا يعرف أعمالاً مهمة أضافت إلي الروايات التي اكتفي بقراءتها. وعمقت من دلالات تلك العلاقة. كتب السيرة الذاتية ظاهرة في حياتنا الثقافية في الفترة الأخيرة. حتي أنه أقيمت فيها وحولها مؤتمرات وندوات. لكن النقد اقتصر علي الأيام لطه حسين ويوميات نائب في الأرياف للحكيم وقصة نفس لزكي نجيب محمود ومؤلفات أخري لا تجاوز عدد أصابع اليدين. تناسي النقد ما حفلت به المكتبة العربية من روايات السيرة الذاتية. وإجادتها التعبير عن البيئة. وعن الزمان والمكان. بما يضع المشهد متكاملاً أمام القاريء. كتب في العلاقة بين الأنا والآخر. بين الغرب الأوروبي والشرق العربي. سليمان فياض وعبدالحميد السحار ويوسف إدريس وعبدالحكيم قاسم. وعشرات غيرهم.. لكن الاجتهادات النقلية توقفت عند روايات صدرت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. ولولا أن رجاء النقاش دلنا علي كنز اسمه "موسم الهجرة إلي الشمال" للطيب الصالح. ما ابتعدت اجتهادات النقليين عن أعمال الرواد. المشكلة في اعتماد الاجتهادات الحديثة علي الكتابات النقدية التي تناولت إبداعات الرواد. فهي ما صدر من إبداع يتناول العلاقة بين الأنا والآخر.. ولا شيء بعد! الناقد لا يقرأ فهو يتصور صدقني غياب الأدب المقاوم عن حياتنا. ويسأل عن بواعث غيابه. ولو أنه أجهد عينيه قليلاً فسيجد الكثير من الإبداعات التي تناصر المقاومة. وتحض فنياً عليها. المقاومة ضد ممارسة الكيان الصهيوني. أو ضد مؤامرات الخارج. أو القهر في الداخل. عشرات الإبداعات ما بين مسرحيات وروايات وقصص قصيرة. جعلت من المقاومة محوراً لها. وقدمت ما يستحق الالتفات النقدي. لكن السادة النقاد قصروا قراءاتهم علي ما سبق. اكتفوا بالسلفية. توقفوا حيث توقفت قراءاتهم. عندما يصدر القاضي حكمه. فإنه يرفقه بحيثيات لا تفلت واقعة مهما بدت صغيرة. أو تافهة. حتي تكتمل للحكم أسبابه. الأمر نفسه حين أصدر حكماً علي ظاهرة ما. أهم ما يتطلبه الحكم أن أعود إلي معظم الأعمال لا أقول كل الأعمال التي تنتسب إلي الإبداع المقاوم. الكلام المرسل يبدل الحقائق. ويسيء إلي المعاني الجميلة. ويتصور الموات في الحياة الثرية. والمتجددة.