القول بأن النقاد أهملوا نجيب محفوظ فترة طويلة. فلم ينتبهوا إليه إلا بعد روايته التاسعة بداية ونهاية. وهو ما أكده الراحل في أكثر من حوار صحفي. كقوله "حياتي بدأت بإهمال طويل. وانتهت باهتمام كبير.. ثم قوله - فيما بعد - "ضاع وقت جيلنا في تحطيم الحواجز".. هذا القول. فيه الكثير من الصحة. ولكن من الصعب - وربما من الظلم أيضا - أن نغفل دور الناقدين الكبيرين سيد قطب وأنور المعداوي. وأقلام نقدية أخري. داخل مصر وخارجها. بالطبع. فإن الالتفات إلي أعمال نجيب محفوظ. والاهتمام بها. لم يقتصر علي المعداوي وقطب وغيرهما من النقاد. ثمة قطاع مهم من المثقفين والقراء العاديين. وجدوا في أعماله نقلة للرواية العربية. وأذكر أني كتبت من قبل: نجيب محفوظ كنز اكتشفناه نحن. ولم ينبهنا إليه الأجانب. اكتشفه من قرأ له. وأعجب به. ووجد فيه مثلا أعلي. والقول بأن نجيب "عاش يكتب خمسين سنة دون أن يكتشف أي ناقد في مصر أنه عملاق". هذا القول مشكلة الكاتب الشخصية. مشكلة أنه قرأ محفوظ كما قرأ الآخرين. فلم تتوضح له الفوارق بين حجم الفنان نجيب محفوظ وأحجام الآخرين. أما نحن الذين قرأنا نجيب محفوظ جيدا. واستوعبناه جيدا. وتفهمناه جيدا. فإننا نزعم باكتشاف كنز نجيب محفوظ منذ "خان الخليلي" التي يمكن أن نؤرخ بصدورها بدء تطوير فن الرواية في بلادنا. لكن التفات النقد لم يكن خيراً كله. وبالذات في أواسط الخمسينيات. قبل أن يصبح محفوظ هذه المؤسسة القومية. كما وصفه لويس عوض فيما بعد.. فقد شنت عليه حرب قاسية لأسباب أيديولوجية محضة. قدرت بعض الأقلام النقدية أن أدبه يعبر عن نقيضها. ولولا عناد الثيران الذي وصف به محفوظ نفسه. في مقابل التجاهل النقدي. ثم في مقابل التسلط النقدي. لأسكت قلمه. خاصة وأن السينما كانت قد وهبته كلمة السر التي يستطيع بها أن يغترف ما يشاء من مغارتها السحرية. كان قد أصبح كاتباً للسيناريو مرموقاً وأذكرك بالخبر الذي نشرته مجلة أسبوعية - آنذاك - عن التقاء الفنانة هدي سلطان بالقاص يوسف جوهر وكاتب السيناريو نجيب محفوظ لمراجعة سيناريو فيلمها القادم!.. دنيا! كان نجيب محفوظ يلح علي أنه يكتب للقارئ المصري. لكنه - فيما أتصور - كان يدرك أنه أديب مصري لكل العالم. أذكر ملامحه المتأثرة وهو يحدثني عن الحفاوة النقدية - والشعبية - بأعماله في امتداد الوطن العربي: هل تصدق أنه لم يترجم لي عمل واحد حتي الآن؟! وألف التواضع في أحاديثه وتصرفاته. لكن طموحاته - المشروعة - كانت بلا آفاق!