يريد بعض من يؤمنون بالديمقراطية. ومن ناضلوا طويلا من أجل حق المصريين في اختيار ممثليهم وحكامهم بحرية. تأجيل أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة وتنافسية منذ أكثر ستة عقود ويأتي ذلك مخالفاً لنتيجة استفتاء 19 مارس الماضي والذي أبدي الشعب رأيه. ويعتبر هذا أحد أبرز غرائب المرحلة الانتقالية الراهنة التي يريد من يخافون اجراء الانتخابات في سبتمبر المقبل إطالة أمدها. يطالب بعضهم بمجلس رئاسي مدني. أو مدني- عسكري. يحكم لفترة لا تقل عن سنتين بدون انتخابات أو تفويض. ويري بعض آخر استمرار المجلس الأعلي في إدارة المرحلة الانتقالية بعد إطالة أمدها. لا يفكر المطالبون بمجلس رئاسي في الصيغة التي يحكم بمقتضاها وآليات اتخاذ القرار في داخله. وطريقة حل الخلافات التي لابد أن تظهر بين أعضائه تجاه بعض القضايا. ولا حتي في كيفية اختيار هؤلاء الأعضاء الذين لا يزيدون علي أربعة أو خمسة في الوقت الذي قد يجد فيه عشرات أنهم جديرون بعضويته. ويذهب بعض المطالبين بتأجيل الانتخابات إلي مدي أبعد. فهناك من يدعو إلي أن يحكم الجيش حكما مباشرا بدعوي ان إجراء انتخابات في المدي القريب ليس في مصلحة البلاد. وثمة من يقترح أن يتولي المشير حسين طنطاوي رئاسة الدولة. ورغم أن هناك من يفضلون إصدار الدستور الجديد أولاً. يظل القاسم المشترك الأساسي بين المطالبين بتأجيل الانتخابات هو الخوف. معلنا أو مستترا. من إجرائها في سبتمبر المقبل. وبلغ خوف بعضهم مبلغا غير معقول عندما دعوا لأن يكون تأجيل الانتخابات أحد مطالب "مليونية" التحرير الأخيرة. وهذه سابقة لا بد أن يسجلها التاريخ. فلم يحدث أن دعا ديمقراطيون إلي مظاهرات ضد إجراء الانتخابات. المعتاد هو أن يتظاهروا سعيا لإجرائها ولانتزاع ضمانات تكفل سلامتها وحريتها ونزاهتها. والمعتاد. أيضا. أن يتظاهر خصوم الديمقراطية ضد الانتخابات. فيا سادة يا كرام.. بدلاً من تضييع الوقت والجهد في السعي إلي تأجيل الانتخابات. يمكن استثمارها إلي أقصي مدي ممكن في الاستعداد لها والنزول إلي الشارع والرهان علي الناخبين الجدد الذين سيذهبون إليها للمرة الأولي في حياتهم. علي نحو يجعل الخوف والتخويف من هيمنة حزب واحد علي البرلمان القادم غير مبرر. كما أن الكثير من الناخبين الجدد لن يذهبوا إلي صناديق الاقتراع لبيع أصواتهم. وإلا لفعلوا في انتخابات سابقة. ورغم أن ضعف الحضور الأمني يعتبر مشكلة فعلاً. فمن الصعب تأجيل كل شيء إلي أن نتمكن من بناء جهاز شرطة جديد بعد سنوات قد تكون طويلة. كما أن انشغال الناس بالتنافس الانتخابي يخلق روحا إيجابية وشعورا بالمشاركة يجعل المواطنين أنفسهم الركيزة الأساسية لحماية العملية الانتخابية. وقد رأينا كيف أجري استفتاء 19 مارس الماضي في أجواء رائعة بالرغم من حدة الصراع الذي افتعل بين أنصار نعم و لا. وهكذا تفيد المعطيات السياسية والاجتماعية أنه لا مبرر من الخوف من انتخابات يستحيل أن تكون نتائجها محسومة إذا نزل الخائفون إلي الشارع فورا وعملوا بجد واجتهاد. وتمكنوا من خلق أجواء تنافسية تشيع فيها ثقافة المشاركة المنظمة الواعية التي تبدو سبيلا وحيدا لتأكيد التعدد والتنوع السياسي والاجتماعي. ووضع حد لانغماس أطياف من المجتمع في صراعات طائفية ومطالبات فئوية.