يروي ابن كثير لحظات استشهاد الحسين: "ثم جاء شمر ومعه جماعة من الشجعان. حتي أحاطوا بالحسين وهو عند فسطاطه. ولم يبق معه أحد بينهم وبينه. فجاء غلام يشتد من الخيام كأنه البدر. وفي أذنيه درتان. فخرجت زينب بنت علي لترده. فامتنع عليها. وجاء يحاجف عن عمه فضربه رجل منهم بالسيف. فاتقاه بيده فأطنها سوي جلده. فقال: يا أبتاه. فقال له الحسين: يابني احتسب أجرك عند الله. فإنك تلحق بآبائك الصالحين. ثم حمل علي الحسين الرجال من كل جانب وهو يحول فيهم بالسيف يميناً وشمالاً. فيتنافرون عنه كتنافر المعزي عن السبع. وخرجت أخته زينب بنت فاطمة إليه. فجعلت تقول: ليت السماء تقع علي الأرض. وجاءت عمر بن سعد: ياعمر. أرضيت أن يقتل أبوعبدالله وأنت تنظر؟ فتحادرت الدموع علي لحيته. وصرف وجهها عنها. ثم جعل لايقدم علي قتله. حتي نادي شمر بن ذي الجوشن: ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل؟ فاقتلوه ثكلتكم أمهاتكم. فحملت الرجال من كل جانب علي الحسين. وضربه زرعة بن شريك التميمي علي كتفه اليسري. وضرب علي عاتقه. ثم انصرفوا عنه وهو ينوء ويكبو. ثم جاء إليه سنان بن أبي عمرو بن أنس النخعي. فطعنه بالرمح فوقع. ثم نزل فذبح. وجز رأسه. ثم دفع رأسه إلي خولي بن يزيد. وقيل: إن الذي قتله شمر بن ذي الجوشن. وقيل رجل من مذحج. وقيل عمر بن سعد بن أبي وقاص. وليس بشيء. وإنما كان عمر أمير السرية التي قتلت الحسين فقط. والاول أشهر. وقال عبدالله ابن عمار: رأيت الحسين حين اجتمعوا عليه يحمل علي من علي يمينه. حتي انذعروا منه. فوالله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل أولاده وأصحابه أربط جأشاً منه. ولا أسمي جناناً منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله". والحق أن الحسين لم يتصرف بإيعاز من ثقة زائدة وغرور. قيل إنه لما كتب أهل العراق إلي الحسين. وهو بالحجاز. أن يأتي إليهم. وتحدثوا عن إماتة السنة. وإحياء البدعة. وضمنوا ذلك كله كتباً ملء صندوق وأكثر. فإن الحسين رجع إلي أصحابه يسألهم الرأي. وعبر ابن عقيل عن بواعث ثورة الحسين ضد الامويين. في قوله لابن زياد: أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم. وسفك دماءهم. وعمل أعمال كسري وقيصر. فأتيناهم لنأمر بالعدل. وندعو إلي حكم الكتاب. ويروي أنه حين قرأ الحسين كتاب السيدة عائشة بأنها سمعت رسول الله يقول: يقتل الحسين بأرض بابل. قال الحسين: لابد إذن من مصرعي. ومضي فهو قد عرف إذن أن الشهادة تترصده في الكوفة. وقال له عكرمة. أحد عمومته: أنشدك الله لما انصرفت راجعاً. فوالله ما بين يديك من القوم أحد يذب عنك. ولا يقاتل معك. وإنما والله أنت قادم علي الاسنة والسيوف. فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال. ووطأوا لك الاشياء. ثم قدمت عليهم بعد ذلك. كان ذلك رأياً. فأما علي هذه الصفحة فإني لا أري لك أن تفعل. قال الحسين: إنه ليس يخفي علي ما قلت وما رأيت ولكن الله لايغلب علي أمره. ووصف الحسين الامويين في خطبه بأنهم من الادعياء السائرين في الناس بالجور. أطال الحسين النظر إلي الافق المخضب بالدماء. وتبين تفصيلات ما سيجري. لكنه أصر أن يواصل طريقه إلي الكوفة. حيث يلقي الشهادة. وقبل أن نبدأ معركة كربلاء خطب الحسين في أصحابه قال: من أحب أن ينصرف إلي أهله في ليلته هذه. فقد أذنت له. فإن القوم يريدونني. وأصر الجميع أن يظلوا في صحبة الحسين. يقاتلون تحت قيادته. ويواجهون مصيره.