السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هذه الأيام علي الساحة السياسية في باكستان.. هل تنجح حكومتها في تحقيق المعادلة الصعبة. والمعادلة الصعبة هنا هي التوفيق بين أمرين.. الأول احتواء السخط الذي يجتاح الرأي العام الباكستاني بسبب الانتهاكات المستمرة من جانب الولاياتالمتحدة للسيادة الباكستانية. وهذه الانتهاكات تتخذ عدة أشكال مثل الطائرات بدون طيار التي تقصف مناطق مختلفة في إقليم وزيرستان الباكستاني وتقتل الكثير من الباكستانيين بزعم مطاردة الإرهاب. وقد وصلت الانتهاكات إلي مستوي جديد من خلال العملية التي قامت بها القوات الخاصة الأمريكية لاغتيال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. وقد تمضي مستقبلاً إلي ما هو أبعد من ذلك. أما الثاني فهو الحفاظ علي العلاقة القوية مع الولاياتالمتحدة. وهناك زيارات مكوكية بين مسئولي البلدين لتحقيق الطرف الثاني من المعادلة. ويعتقد المراقبون أن في مقدمة من يريدون جهود الحكومة الباكستانية حالياً الجنرال اشفاق برفيز كياني رئيس الأركان الباكستاني والذي يشارك في أي اجتماع يجري حول هذه المشكلة. وتتعدد التكهنات حول قدرته علي القيام بدور ما في ذلك. وكياني شخصية تستحق التوقف عندها. فالبعض في باكستان يطلق عليها "القوة الهادئة". ويسميه البعض الآخر الرجل الذي ترقي في صفوف الجيش بسرعة غير عادية. ويتولي رئاسة أركان الجيش الباكستاني منذ استقالة الرئيس الأسبق برفيز مشرف الذي جمع لفترة بين الرئاسة ورئاسة الأركان طوال فترة رئاسته تقريباً بعد قيامه بانقلاب عسكري أطاح بنواز شريف. ويقول من يعرفون كياني عن قرب إنه شخصية تتميز بالصبر والذكاء والنشاط والقدرة علي العمل لساعات طويلة وقوة الإرادة. ويقول آخرون إن أهم الأسباب التي جعلته يترقي بسرعة في صفوف الجيش ليصبح رئيس الأركان الرابع عشر في تاريخ باكستان. هي قدرته علي البقاء في دائرة الظل عندما يكون ذلك ضرورياً. وهذا لا يعني بالطبع أنه بعيد عن مسئولياته. بل لديه القدرة علي القيادة واتخاذ القرار الحاسم عندما يكون مطلوباً. كما أنه قادر علي متابعة أوامره والتأكد من تنفيذها علي ما يرام. وبسبب ما يتمتع به من قدرات كان مشرف يستعين به في التعامل مع المشاكل مع أنه لم يكن من المقربين إليه. وكان أوضح مثال علي ذلك التحقيقات التي جرت في أعقاب محاولة الاغتيال التي تعرض لها. وقد أشاد به مشرف في كتابه "في خط النار" الذي أصدره بعد تنحيه. وربما كان مرجع ذلك كما يقول أحد المحللين إن كياني ينتمي إلي عشيرة الجيلوم التي تعد أقوي العشائر في شمال مقاطعة البنجاب أكبر المقاطعات الباكستانية. وهذه المنطقة ذات طبيعة صحراوية قاسية ولا تنتج شيئاً سوي.. الجنود. وكان أبوه ضابط صف بالجيش الباكستاني. وتقول المعلومات المتوافرة عنه إنه تخرج في الأكاديمية العسكرية في كاكول شمال باكستان في عام 1971 والتحق بواحد من تشكيلات الجيش المرموق والمعروف باسم الفرقة البالوخية. وتلقي عدداً من الدورات التدريبية في الولاياتالمتحدة. وبدأ كياني حياته السياسية في عام 1981 عندما عين نائباً لوزير الدفاع في حكومة بنظير بوتو الأولي. ويقول البعض إن كفاءته الحقيقية ظهرت في عامي 2001 و2002 عندما كان رئيساً للعمليات العسكرية في الجيش. فقد نجح في إنهاء حالة مواجهة مع الهند استمرت ثمانية أشهر عبر الحدود بين البلدين "1500 كيلومتر" بسبب عمليات قامت بها جماعة العسكر الطيبة في الهند وكادت تؤدي إلي نشوب حرب بين الطرفين بسبب اتهامات الهند لباكستان بدعم العسكر الطيبة وغيرها. ولفت ذلك نظر مشرف إليه وعينه قائداً لكتائب النخبة العشر من الجيش الباكستاني والتي ترابط في روالبندي وعينه بعدها رئيساً لمجمع أجهزة المخابرات الباكستانية وتوالت الترقيات عليه بعد ذلك حتي وصل إلي منصبه الحالي. ويقول البعض إن انجازاته لم تنته بنهاية حكم مشرف. بل إنه استطاع استعادة سمعة الجيش الباكستاني التي فقدها بين المواطنين بسبب هزائمه المتوالية أمام نظيره الهندي منذ استقلال باكستان. وكان ذلك عندما وجه ضربات موجعة إلي المتشددين في وادي سوات. ولم يستطع تكرار ذلك في وزيرستان بسبب وعورة التضاريس. وان كان البعض يتوقع أن يقوم بها قريباً. وكل ذلك يفعله وهو قابع في الظل ولا يظهر كثيراً في دائرة الضوء. وكانت آخر مرة يظهر فيها عندما التقي بالسناتور الأمريكي جون كيري خلال زيارته إلي باكستان. كما التقي مارك جروسمان المبعوث الأمريكي الخاص لباكستان وأفغانستان. وأهم تحد يواجه كياني علي المدي القصير. سيكون التصدي لانتقام طالبان الباكستانية والتي ثبت أنها تتمتع بدرجة عالية من القوة والتسليح وهذا ما تبين من هجماتها الأخيرة التي استهدفت الشرطة والجيش علي حد سواء. وكان أوضح مثال علي ذلك الهجوم الذي شنته الحركة علي قاعدة جوية تابعة للبحرية الباكستانية في كراتشي منذ أيام. دام الهجوم 16 ساعة وشهد تبادلاً عنيفاً لإطلاق النار انتهي بمقتل عشرة جنود باكستانيين وتدمير طائرتين. وبينما كانت الصحف الباكستانية تهاجم الجيش بسبب هذا الهجوم. عاجلت طالبان بهجوم علي قسم شرطة أسفر عن مصرع 4 وإصابة 35 آخرين. والمؤكد أن هناك هجمات أعلي في الطريق.