مرة أخري نقول إنه لا يوجد من يستطيع أن يقدم لنا تفسيراً للحالة الراهنة التي نمر بها.. أو يحدد لنا معالم الطريق أو يقدم تحليلاً للسيناريوهات المبهمة التي تنفذ حالياً والتي تهدد بإسقاط الدولة كلها. وبدخولنا في متاهات من العنف والفتنة والانقسام..! فنحن أمام دولة تنهار من الداخل بدلاً من أن تندفع بقوة نحو الإصلاح وتحسين الأوضاع. ونري ثورة أفرزت شباباً طاهراً يتحدث عن الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان والمساواة ويدعو إلي تكريس أسس ومعالم المواطنة الصحيحة. ولكنه شباب لم يعد يملك السيطرة علي ثورته المباركة إذ أن في الساحة شباباً آخر يتحدث الآن عن مطالب وقضايا وهمية ويدخلنا في متاهات وألغاز ويتحدث بعضه وينادي مثلاً بأن يصل الأمر إلي أن يكون قادة الأفرع الرئيسية بالقوات المسلحة بالانتخاب..!! ونحن أمام فراغ أمني مخيف دون وجود مؤشرات واضحة علي نهاية قريبة له. حتي وصل الأمر إلي أن اقتحام أقسام الشرطة أصبح خبراً عادياً في الصحف. فقبل يومين فقط وفي الإسكندرية كانت هناك محاولة من البلطجية لاقتحام أقسام شرطة العطارين والمنشية ومحرم بك والرمل. بالأسلحة النارية لإطلاق سراح المسجونين. ونحن أمام نوع آخر من الانفلات الإعلامي المدمر. حيث تحولت كل الصحف القومية والحزبية والمستقلة إلي صحف تنشر ما يحلو لها من إشاعات وأخبار مفبركة لا مصدر لها. وتزايد علي الثورة والثوار. ولا تقوم بدورها في تثقيف الأمة وتوعيتها بقدر ما تشارك في حملة منظمة من الأكاذيب التي أدت إلي اختلاط كل المفاهيم والمعلومات لدي الرأي العام وخلقت حالة من اليأس والإحباط وزادت من مشاعر الحقد الطبقي بما يمهد الطريق للثورة الثانية. ثورة المحرومين والجياع الذين سينطلقون يوماً للحصول علي ما يعتقدون أنه حقهم الطبيعي من الأغنياء بعد أن صاروا علي قناعة بأن كل هؤلاء الأغنياء هم حفنة من اللصوص الذين قاموا بسرقتهم علي مدار العقود الماضية. ونحن أمام فزاعة الانهيار والتدهور الاقتصادي والتقارير التي تتحدث عن أزمات غذائية وتموينية قادمة يعززها انفلات غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية وانعدام تام للرقابة علي الأسواق. واختفاء كامل لكل معايير الانضباط في الأسعار وحماية المستهلك. ونحن أمام موجات متتالية من المطالب الفئوية والخاصة التي يتصور أصحابها أن الفرصة قد أصبحت سانحة لهم للضغط علي الحكومة لتعويض سنوات القهر والذل التي عاشوها من قبل. وهي مطالب لا تعني إلا زيادة معاناة الحكومة وأصحاب الشركات في توفير الميزانيات اللازمة لذلك. وبما يعني المزيد من القروض والعجز في الموازنة. ونحن أمام قضية بالغة التعقيد تتمثل في كيفية إغلاق ملف الماضي. والانتهاء من تقنين وتصفية أوضاع رجالات النظام السابق المحتجزين في السجون إلي جانب محاكمة الرئيس المخلوع ونجليه. وهي محاكمات وأحكام قد تكون لها انعكاساتها السلبية ايضا علي الداخل. وقد تؤدي إلي مزيد من الجمود في الحركة والنشاط الاقتصادي وقد تؤدي كذلك إلي نزاعات قانونية تمتد خارج الحدود للحصول علي تعويضات ضخمة من الدولة. وأمام هذا الموقف الذي لا يتسم بالوضوح. تتم الاستعدادات لانتخابات برلمانية بعد بضعة أشهر. وهي انتخابات لو قدر لها أن تتم في هذه الأجواء فإن الشارع المصري قد يتحول إلي كتلة من اللهب في خلافات ستتعدي الحدود التقليدية إلي صراعات وفتنة طائفية وربما إلي أنواع من الحروب الأهلية. ولن ينجم عن الانتخابات في هذه الأجواء مجلس نيابي يمثل مختلف طوائف وفئات الشعب المصري. بقدر ما قد تكون أمام مجلس ذي أجندات وتصورات تخالف آمال وأهداف الثورة وتفتح الباب أمام نوع جديد من الصراعات السياسية التي لن يكون الحوار فيها قاصراً علي الكلمات وإبداء وجهات النظر. ويقابل ذلك حكومة مازالت تتلمس ملامح الطريق. ولا تحمل تصورات محددة لسيناريوهات المستقبل. وتعتقد أنها مجرد حكومة لتيسير الأعمال. وأن مهامها مؤقتة. وهو أمر بالغ الخطورة لأن الحكومة الحالية ينبغي أن تكون حكومة بناء مصر الحديثة. ووضع أسس بناء هذه الدولة وإعادة ترتيب البيت من الداخل علي قواعد من القانون والعدالة ومعايير الكفاءة والخبرة ولا يجب أن تخضع في هذا لأصحاب الأصوات العالية أو الائتلافات التي لا نعرف كيف ومتي ظهرت. ومن تمثل وماذا تخدم..! إن كل ما يدور علي الساحة حالياً يؤكد أن هناك من يراهن علي إسقاط الدولة وهيبتها. وأن هناك من يجلس مطمئناً إلي أن المصريين إذا استمرت الأوضاع علي ما هي عليه سوف يكفرون بالثورة والثوار. وأن الناس سوف تندم علي ما فات وتعتبر أن النظام السابق كان أفضل بكل مساوئه وتجاوزاته. ونحن نخشي من هذا السيناريو المخيف الذي يدبره أتباع النظام السابق وأصحاب المصالح والذي ننقاد لتنفيذه دون دراية ودون توقف لمراجعة النفس وحماية الثورة.. والذي علينا أن نعيد التفكير في "المكلمة" الهائلة التي أصبحنا فيها من حوارات ومؤتمرات. وأن نترك الفرصة قليلاً للمجلس العسكري ولحكومة شرف رغم اختلافنا معها في عبور الأشهر القادمة بسلام حتي يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد لكي نجد من نحاسبه ومن يلتزم بتحقيق أهداف الثورة..! ** ملحوظة أخيرة: * مرتضي منصور يمثل وحده الآن حزب المعارضة الوحيد لثوار التحرير..!