لأول مرة.. تتولي وزارتان حكم مصر.. كان ذلك يوم 23 يوليو سنة ..1952 الوزارة الأولي عينها الملك فاروق برئاسة أحمد نجيب الهلالي باشا وتقيم في الإسكندرية.. والوزارة الثانية عينها الجيش عقب الإعلان عن الثورة.. ويرأسها علي محمد ماهر باشا وتقيم في القاهرة. لم يكن الملك يتوقع هذا الحدث.. فالمعلومات التي لديه والتي نقلها إليه أفراد الحاشية أن كل شيء علي ما يرام.. رغم المشاكل في نادي الضباط وعدم استقرار الوزارات.. ففي خلال ستة أشهر تم تشكيل الوزارة أربع مرات.. وبمجرد أن علم الملك بقرار الجيش بتشكيل وزارة علي ماهر حتي أسرع وأقال وزارة أحمد نجيب الهلالي حتي يفسح المجال لقادة الثورة وعلي ماهر باشا لتسيير دفة الأمور وإدارة البلاد. وكان قادة ثورة 23 يوليو غير واثقين تمام الثقة بأن الوزارة الجديدة تستطيع تحمل العبء وحدها ولهذا كانوا يتابعون كل ما يجري ساعة بساعة ولم يكن الرأي قد استقر بعد علي تقرير مصير الملك.. كان هناك من يطالب بعزله وآخرون طالبوا بمحاكمته.. ولكن جمال عبدالناصر ومعظم أعضاء مجلس القيادة فضلوا توجيه إنذار له بمغادرة البلاد والتنازل عن الملك لولي عهده الطفل الصغير.. وفي الحال وافق الملك علي مطالب الثورة.. وعندما سألوه عن رغباته.. قال "أن أترك البلاد بمظاهر التكريم التي يجب أن تتوفر لملك يغادر بلاده!" وقال "اترك البلاد حتي لا تراق نقطة دم واحدة لأي من أبناء مصر".. وكان هذا أسرع تنازل عن العرش.. وتم في هدوء وفي إطار مظهر من مظاهر التكريم وبدون أن تراق نقطة دم واحدة. مر علي هذا الحدث ما يقرب من 59 عاما.. وحدثت ثورة 25 يناير ..2011 وخرج الشعب كله في كل محافظات مصر ينادون بإسقاط النظام وتنحي الرئيس السابق عن الحكم.. وبدلا من الاستجابة لرأي الشعب الذي اعتصم في كل أنحاء البلاد مؤكدا ضرورة التخلي عن مقعد الرئاسة.. أصر الرئيس السابق علي عدم التنحي أو الاستقالة أو حتي الحصول علي إجازة وظل يلقي كلمات تعبر عن رغبته في مواصلة الحكم.. في الوقت نفسه خرج نفر من أتباعه يثيرون الفتن.. وراح أرباب نظامه في إشعال الحرائق وإطلاق الرصاص حتي أن عدد القتلي وصل إلي أكثر من 800 ضحية وشهيد وأصيب أكثر من ستة آلاف بإصابات مختلفة منهم ألف شخص فقدوا أبصارهم. كان ممكن لمبارك أن يستجيب لرغبة الشعب الصادقة في دعوته له بالتخلي عن الرئاسة وإسقاط نظامه وإقالة حكومته في يوم 25 يناير.. وكان يجب عليه أن يصدر تعليماته بألا تطلق رصاصة واحدة تجاه المتظاهرين وأن يتجنب إراقة الدماء وإحداث الفوضي وسقوط القتلي.. لو أنه قرأ التاريخ.. وعرف أن الملك فضل التنازل علي الفور عن عرشه ورحب بالخروج من مصر حرصا علي الشعب وحقنا للدماء لحذا حذوه ولم يحدث له ما يحدث الآن.. ولكن ماذا نقول في غرور وعند رئيس تجاهل رغبة الملايين حبا في الكرسي ورغبة في توريثه.