أجد في حرص البعض علي وضع شعرائنا الكبار في خانة التقليديين. انطلاقاً فحسب من اعتبار السن. سذاجة وسخفاً لأن شباب المبدع أو تقدمه في السن لا شأن لهما بنزوعه إلي الحداثة والتجريب والإضافة. والتعبير - بصدق - عن روح العصر. نحن نناقش المبدع في إبداعه. في ضوء فنيات الإبداع. وليس في ظل أعوام شيخوخته! القضية لا تتصل بمبدع بالذات. لكنها تمتد فتشمل العلاقة المرتبكة وغير الصحيحة بين نسبة الاستاتيكية إلي المتقدمين عمراً. والعكس. إلي الأعمار الصغيرة! لا شأن للفن إطلاقاً بالأحوال المدنية. لا شأن له بشهادة الميلاد. ولا حتي شهادات الوفاة. وما بين الميلاد والوفاة من حياة تقصر أعوامها أو تطول. أنت تقرأ وتشاهد وتتأمل وتلامس الخبرات وتتعرف إلي تجارب الآخرين. ثم تخلو إلي قلمك وأوراقك. تحاول الإبداع. ولا تقلد. وإنما تحاول ان يصدر إبداعك من كل ما استقر في وجدانك. ان يصدر من ذاتك المبدعة ورؤيتك الشاملة لكل ما تعيشه شخصياً. ويعيشه العالم من حولك. حتي في حياتنا العادية قد يكون الشاب سلفي التفكير. ولا أقول نقلي التفكير. فكل خير في اتباع من خلف. وكل شر في اتباع من سلف. وقد يكون الشيخ ميالاً الي التجدد والتجريب والتطلع إلي ما وراء الآفاق المتزامنة. وجد الشباب الأوروبي في أفكار ماركوز الذي جاوز الثمانين عاماً منارة ثورية يهتدي بها في طريق البحث عن الأفكار الجديدة. ومع تقدم أعوام سلامة موسي. فإنه ظل علي شباب ذهنه ووجدانه. وظل يبشر بالعلم والتقدم. حتي اسقط الموت قلمه. وفي حوالي الستين. كتب نجيب محفوظ ثرثرة فوق النيل وتحت المظلة ورحلة ابن فطومة وغيرها. وظل حريصاً علي تعميق رؤيته. وعلي التجريب والتجدد. وفي المقابل. فثمة شباب من أدباء الجيل الحالي. يقرؤون المنفلوطي. ويجدون في ماجدولين والنظرات والعبرات. ما كان يجده جيل نجيب محفوظ من أحداث تحرك المشاعر. وقد يلجأون إلي الفعل نفسه الذي كان يفعله جيل محفوظ. فيبكون!. وثمة من يحرصون علي ما تلقوه في سني الدراسة من ان شوقي وحافظ معلمان صعب تكرارهما في الأجيال التالية من الشعراء. باختصار. نحن قد نجد التجدد والإضافة والتطور والنظرة الاستشراقية في من يكبروننا سناً. ونفتقد الخصائص نفسها في المتباهين بشباب يحيا - بالذهن - في عصور ماضية!. هامش : يحزنني من يفرضون صداقتهم علي قيمة إنسانية ما. وحين تغيب القيمة - جسداً - عن حياتنا. فإنهم يحرصون علي وراثة الصداقة المزعومة. ويبلغ الأمر حد الاقتتال حول الأجدر بمكانة الوريث.