الجو العام في مصر الآن ملوث بدرجة لا تحتمل.. لا أقصد التلوث البيئي أو الصحي.. ولكن التلوث الأخلاقي.. إذا كان هناك انفلات أمني فأسوأ منه الانفلات الأخلاقي القائم علي الحقد والضغينة التي نكنها لبعضنا البعض. المصريون بصراحة تامة لا يحبون بعضهم البعض في الداخل.. وأكثر من ذلك لا يحبون بعضهم في الخارج.. استغلال ثورة 25 يناير والحديث عن الفساد والفاسدين والمفسدين جعلنا نشكك في ذمم زملائنا ورؤسائنا في العمل ومرءوسينا .. وللأسف الشديد اتخذنا من الصحف وسيلة للتشهير بالناس دون صدور أحكام بالإدانة وانقلبت المقولة "المتهم بريء حتي تثبت إدانته" إلي "المتهم مدان حتي تثبت براءته"!! هكذا حولنا بعضنا البعض جميعاً إلي فاسدين .. وهكذا نصب كل منا نفسه قاضياً ليحكم علي هذا بالفساد. وعلي ذلك بالإفساد.. كثرت البلاغات التي يقدمها الناس إلي النيابة العامة في الشخصيات العامة وفي الزملاء وحتي في الجيران وكادت النيابة العامة تغرق من كثرة هذه الشكاوي والبلاغات. والقانون في مثل هذه الأحوال لا يسعف المظلومين الذين تطالهم هذه الاتهامات .. فالمفروض علي من تم اتهامه ظلماً أن يتقدم ببلاغ مضاد إلي النيابة ويرفع قضية سب وقذف ضد من اتهمه .. وفي مثل هذه الحالات لا يحكم بسجن من اتهم غيره ظلماً وعدواناً. وإنما يحكم بتعويض وربما يأخذ براءة بعد ذلك. كان الله في عون القيادات الجديدة التي تم تعيينها أخيراً في الشركات والهيئات والمؤسسات المختلفة.. انهم يتعرضون الآن لهجمة شرسة من الأقوال والآراء المتناقضة .. يسمعون من هؤلاء كلاماً.. ويسمعون من أولئك كلاماً مضاداً مما يجعلهم حائرين لا يدرون من هم الصادقون ومن هم الكذابون ومن هم الأمناء ومن هم المنافقون. هذه الأجواء غير الصحية تجعلنا نتراجع.. وتجعل مصر تقف محلك سر. في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلي خطوة للأمام لنخرج من عنق الزجاجة الذي انحشرنا فيه ولا نري منه خلاصاً حتي الآن. الثورة التي قامت في يناير ثورة طاهرة مطهرة.. قادها أو فجرها شباب أنقياء السريرة أصفياء القلوب.. لكن البعض يريدنا ان نضع عليها بعضاً من القطران ليشوه هذا النقاء وهذا الصفاء.. وكل ما نرجوه ان تنحسر هذه الظاهرة التي أشبهها بالعطن الذي يضرب التفاحة. الشعار الذي تذيعه القنوات التليفزيونية يقول: مصر بتتغير.. وأنا كمان باتغير.. لكني أري ان مصر حقيقة تتغير.. وأرجو أن نري اليوم الذي تتغير فيه نفوسنا ونحب بعضنا البعض أو علي الأقل لا نكره بعضنا البعض.