التاريخ العربي ليس كله انتصارات. وليس كله هزائم. توالي الأمواج في المحيط العربي حمل - علي امتداد تاريخه - مد الانتصارات وجزر الهزائم.. وإذا كان الشاعر العربي قد تحدث عن الأزمة التي كلما ضاقت حلقاتها. جاء الفرج. فإن ذلك بالفعل هو ما شهده التاريخ العربي في توالي عصوره. اسهامات العرب في المسار الإنساني مما يصعب إغفاله. أو التهوين منه. إن المنطقة التي يعيشون فيها هي منشأ الديانات السماوية الثلاث. والإطلالة السريعة علي تاريخ مصر الفرعوني وحضارة العراق والشام. فضلاً عن الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس. ذلك كله - وغيره - يؤكد ريادة العرب. وتأثيراتهم الإيجابية في التاريخ الإنساني. وثمة كتب لمؤرخين من الغرب. عرضوا للحضارة العربية بما يؤكد دورها في الحضارة الإنسانية بعامة. وفي المقابل.. فإن عصور الضعف العربي - كانت عصوراً متتالية بالفعل! - حقائق معلنة لا يصح مواجهتها بمنطق النعامة التي تدفن رأسها في الرمال!. من حكايات التاريخ العربي أن التتار قدموا إلي المنطقة. فقتلوا ودمروا وأحرقوا. أحاطوا الأرض العربية بأسوار من الهمجية والبربرية بلغت حد محاولة الغاء العقل العربي بإغراق مئات الألوف من الكتب والمخطوطات في نهري دجلة والفرات. تحولت إلي جسر وطأة جنود التتار بسنابك جيادهم!. كان القتل هدفاً في ذاته في كل المذابح التترية التي عاناها الشعب العربي. لم يكن وراء ما فعله التتار تصور لأي شيء. مجرد رغبة معلنة في السلب والاستحواذ. وإخضاع البلاد والعباد لمنطق القوة. جري التتري بسيفه في أعناق الكثيرين من المواطنين العرب. لما حاول المواصلة. تبين صدأ سيفه. قال التتري للعربي الذي حال صدأ السيف دون أن يطيح بعنقه: - ضع رأسك هنا. حتي أعود بسيف جديد!. وأشار إلي شجرة مقطوعة.. وضع العربي رأسه علي جذع الشجرة. وانتظر حتي يعود التتري بسيف جديد. قيل إن التتري عاد لاستكمال ما بدأ. بعد أن استبدل سيفه. فوجد رأس العربي مهيأة للاقتطاف وقيل إن تترياً آخر رأي الرأس المعدة للذبح. فأطاح بها. ذلك ما شهدته عصور الجزر. عصور الهزيمة والتخلف والانحطاط. لكن التاريخ العربي - كما قلت - ليس وقفاً علي تلك العصور الأشد ظلمة.. ثمة عصور أضاف فيها العرب إلي التاريخ الإنساني أعظم منجزاته. إنها عصور المد التي تدل أيام الثورات العربية الحالية أنها في طريق العودة إلي العرب. وإلي العالم. المحاذير كثيرة. لكن الأمل أوسع - بما لا يقاس - من ميادين التحرير العربية.