أدرك فراعنة مصر منذ آلاف السنين أهمية استكشاف منابع النيل ومجاهل القارة الإفريقية.. ويؤكد الدكتور عبدالعليم خلاف في كتابه مصر وإفريقيا أن الآثار والنقوش التي تم كشفها علي جدران المعابد أن هناك رحلات كثيرة قام بها زوسر وسنفرو وتحتمس الأول والثاني وغيرهم إلي مناطق التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق كما ارتادوا بلاد بونت وهي الآن "اريتريا والصومال" علي الساحل الشرقي لإفريقيا كذلك واصلت مصر محاولاتها الكشفية في العصرين البطلمي والروماني. وقد أدرك العلماء الأولون أن السودان جزء لا يتجزأ من مصر.. والحدود الجغرافية والإقليمية لمصر تشمل وادي النيل من منبعه إلي مصبه.. وعلي هذا فإن مصر والسودان جزءان لا ينفصلان علي حد قول الكاتب الكبير المرحوم عبدالرحمن الرافعي في كتابه عصر محمد علي.. كذلك فإن ماسبيرو وغيره من المؤرخين ذكروا أن تحتمس الأول فرعون مصر قد توغل حتي إلي منطقة البحيرات واحتل بعض المواقع هناك وأكدوا أيضا أن ارتباط مصر بالسودان ضرورة حيوية لهما خاصة أن مصر تستمد حياتها من نهر النيل وقديما قال هيرودوت أن مصر هي النيل والنيل هو مصر وبالتالي لا يمكن لمصر أن تطمئن علي حياتها إذا تملكت منابع النيل دولة أخري. وروي إبراهيم باشا فوزي في كتابه "السودان بين يدي عوزدون وكيتشنر" أنه إحدي الدول "يعتقد انها انجلترا" كانت تسعي لدي محمد علي ألا يبادر باحتلال منابع النيل أو السعي للوصول إليها. فقام محمد علي علي الفور باستدعاء مجموعة من المهندسين الأوروبيين الذين جاء بهم إلي مصر فأمروا بالإجماع أن وقوع منابع النيل تحت براثن أي دولة أخري هو أمر بالغ السوء حيث تصير حياة مصر في يدها. من هنا وجه محمد علي باشا ومن بعده الخديو إسماعيل اهتماماً كبيراً إلي كشف منابع النيل بل إن محمد علي سافر بنفسه وأشرف علي تجهيز الحملات التي أرسلها إلي السودان وما بعدها جنوباً واستطاع كشف مجاهل إفريقيا ومنابع النيل.. وكذلك فعل الخديو إسماعيل ولكن أخطأ خطأ فادحاً عندما عهد ببعض الرحالة الإنجليز مثل صمويل بيكر برئاسة الحملات المصرية لكشف المناطق الجنوبية والتي حقق نجاحاً باهراً فيها. والأمر المؤكد أن جهود محمد علي باشا وفتحه للسودان وتخطيط المدن وإقامة الشوارع ساهم كثيراً علي مزيد من الكشوف لمنابع النيل. والمدهش أن التاريخ منذ قديم الزمن أكد أن النيل هو حياة مصر وأي مساس به يضر مصالحها بل ويؤثر علي حياتها.. وبالتالي اعتبر علماء من الغرب أن سيطرة أي دولة علي منابع النيل فيه خطر حقيقي علي نهر النيل. والآن هل قرأ المسئولون المصريون تاريخ الكشوفات الجغرافية لمنابع النيل.. بصراحة هناك خطر حقيقي قادم إلي مصر من خلال بلاد الحبشة!!