في النصف الثاني من شهر أغسطس كل عام تحتفل مصر بيوم الفيضان أو مايعرف حاليا بيوم وفاء النيل, ومن الثابت أن النهر يبدأ في الارتفاع عند أسوان في الأسبوع الأخير من يونيو, ثم يتعالي بسرعة وبشدة من منتصف يوليو إلي أن يصل إلي ذروته في منتصف سبتمبر. ومع نهاية سبتمبر تبدأ المياه في الهبوط حتي إذا كان من منتصف نوفمبر عاد النهر إلي مجراه العادي ويستمر الهبوط ليصل إلي حضيض التحاريق في أوائل يونيو, ويستغرق الفيضان من أسبوع إلي اثنين, بحسب حجمه وسرعته. فالفيضان ظاهرة موسمية. ويقدر متوسط إيراد النيل الطبيعي السنوي عن أسوان بنحو83 مليار متر مكعب, ولكن هذا الإيراد متفاوت من عام لآخر, ونصيب الفيضان منها هو68 مليار متر مكعب( أي بنسبة82%), فإذا كانت مصر هبة النيل والنيل بدوره ليس إلا الفيضان أو يكاد فلنا أن نقول أن مصر هبة الفيضان كما ذكر ذلك جغرافي مصر الفذ العالم جمال حمدان. فالنيل هو أعظم أنهار الدنيا فهو أطول أنهار العالم وأجملها وأكثرها ملاءمة للملاحة حيث يبلغ طوله6695 كيلو مترا, والنيل يتشكل من ثلاثة روافد رئيسية هي النيل الأزرق والنيل الأبيض ونهر عطبرة, والنيل الأبيض يرتفع في منبعه في بورندي ويمر عبر بحيرة فيكتوريا ثم يمر إلي جنوب السودان ليتلاقي عند جوهرة السودان الخرطوم مع النيل الازرق القادم من الهضبة الحبشية بالقرب من بحيرة تانا, أما الرافد الثالث( نهر عطبرة) فيتلاقي مع النيل في شمال الأراضي السودان, ليستمر جريانه إلي الشمال مخترقا بحيرة ناصر متجها للشمال حتي ينتهي في البحر المتوسط. والنيل هو ملهم الشعراء والفنانين, فأثناء رحلته الطويلة يخترق النيل بلدان كثيرة شعوبها متنوعة وطبيعتها جذابة مليئة بالغابات الخضراء التي تملؤها الحيوانات والزواحف والطيور والنباتات النادرة, وأيضا الصحاري الجدباء, فهو يتجول في عشر دول,( فمن تنزانيا أقصي الجنوب الشرقي لدول الحوض, فبروندي فرواندا فالكنغو أقصي الجنوب الغربي للحوض فأوغندا قلب منطقة البحيرات العظمي ومنبع النيل الأساسي فكينيا ثم أثيوبيا فإريتريا فالسودان فمصر المحروسة) تقول الجغرافيا أنه يتساقط سنويا علي دول حوض النيل أكثر من7000 مليار متر مكعب مياه أمطار, يصل حوض النيل منها فقط حوالي1600 مليار متر مكعب سنويا( أي قرابة23% من مجملها) وتبلغ حصة مصر من ايراد النهر55.5 مليار متر مكعب سنويا( أي أقل من4% من إجمالي مياه حوض نهر النيل), وذلك حسب إتفاقات دول الحوض. وقد وجهت مصر اهتمامها بأمر استكشاف القارة الافريقية خاصة نهر النيل شريان الحياة في مصر, وذلك منذ العصور القديمة والتي تمثلت في الرحلات التي قام بها فراعنة مصر العظام زوسر, سنفرو, أون, حرخوف, بيبي نخت, سيتي, أمنمنحات الأول, سنوسرت الثالث, حتشبسوت وتحتمس الثالث, وقد أجتاز هؤلاء في رحلاتهم بلاد النوبة ووصلوا إلي منطقة إلتقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق, كما وصل بعضهم إلي بلاد بونت( إريتريا والصومال حاليا) علي الساحل الشرقي من أفريقيا, كما سجلت ذلك ملكة مصر الأولي حتشبسوت علي جدران معبدها الرائع الذي يزين صفحة صحراء الأقصر بغرب الوادي. وقد أقام هؤلاء العظام علاقات تجارية وطيدة مع أهالي تلك البلاد وتوصلوا لمعلومات وحقائق عن حياتهم وسبل العيش هناك. وقد تواصلت محاولات مصر في العصرين البطلمي والروماني وإن لم تتعد تلك المحاولات نقطة التقاء الأبيض بالأزرق في السودان. ولقد برز وبوضوح اهتمام مصر بافريقيا بشكل واضح في العصور الحديثة, مع بداية تأسيس مصر الحديثة علي يد محمد علي باشا الكبير وتبعه حفيده الخديو إسماعيل(1863 1879), حتي وصل إلي أقصي نقطة يبدأ منها النيل مسيرته من بحيرة فكيتورياو حيث أقرت مملكة أوغندا آنذاك(1876) بخضوعها للحكم المصري. وقد رأت مصر أن وجودها في منطقة أعالي النيل تلك سوف يؤكد الوحدة الجغرافية لحضور النيل ويربط الشعوب القاطنة حوله برباط يتناسق مع ما بينها من روابط طبيعية, فلم يكن ذلك منهم حبا في فتح أو رغبة في استعمار لامبرر له وإنما كان حب الحياة والحرص عليها وتأمين موارد المياه, والحفاظ عليها والحيلولة دون قوعها في أيدي القوي الاستعمارية.