كنت أنوي أن أكتب عن الحكومة الجديدة التي شكلها المهندس إبراهيم محلب ودلالات هذا التشكيل. وماذا يمكن أن تأتي به مختلفاً عن الحكومة السابقة التي رأسها الدكتور حازم الببلاوي وتعرضت لانتقادات عنيفة مما أدي إلي استقالتها قبل أن تكمل عاماً واحداً. لكني وأنا استعرض آخر الأخبار مساء أمس الأول قرأت تصريحاً للدكتور سيد القمني المفكر السياسي قال فيه إن الإسلام لا يؤسس لدولة أو نظام حكم مستشهداً بكتب الشيخ علي عبدالرازق التي أكد فيها أن الإسلام جاء بعبادات ومعاملات ولم يأت بشكل دولة إسلامية كما يدعي الإخوان والسلفيون. وقال القمني في ندوة بحزب المصريين الأحرار: "مقولة الإسلام يصلح لكل زمان ومكان خاطئة. والإسلام به ما يصلح وما لا يصلح لكل زمان ومكان. ويصلح لزمان بعينه فقط". وكنا نود من الدكتور القمني أن يضرب لنا أمثلة عما يحتويه الإسلام ويصلح لكل زمان ومكان. وأمثلة أخري عما يحتويه ولا يصلح لكل زمان ومكان. وأمثلة لما يصلح لزمان بعينه كما قال.. لكنه لم يفعل واكتفي بإطلاق تصريح في العموميات. وأود بداية أن أؤكد علي أن فشل تجربة الإخوان في الحكم لا تعني إطلاقاً أن الإسلام لا يؤسس لدولة ولا لنظام حكم. ولا يعني أنه جاء بعبادات ومعاملات فقط دون أن تكون لهذه العبادات والمعاملات مدلولات في نظام الدولة. العبادات تعني الالتزام والانضباط في سلوك الفرد والجماعة وهذا الالتزام أول الأسس في نظام الدولة.. وأنا هنا لا يعنيني شكل هذا النظام أن يكون ملكياً أو جمهورياً أو قائماً علي الخلافة.. وإنما يعنيني أن تلتزم الفئة من الجماعة التي يجمعها مكان واحد بسلوك محدد ينظم حياتهم ويدفعهم إلي الأمام.. فإذا أضفنا إلي ذلك نظم المعاملات التي تحدثت عنها كتب الشيخ علي عبدالرازق فإن هذا يحدد ايضا شكل الدولة والنظام في المجتمع.. وما هو معني الدولة أو نظام الحكم إذا لم تكن هناك قواعد تنظم المعاملات بين أفرادها. الإسلام نظم العلاقة بين أفراد المجتمع بما فيهم غير المسلمين.. وأكد علي العدالة بينهم لا فضل لعربي علي عجمي ولا لأبيض علي أسود إلا بالتقوي.. وأكد علي تحرير الفرد من العبودية.. "متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. وأكد علي حق الجار لجاره.. وأكد علي طاعة الحاكم إذا كان ملتزماً بتعاليم الإسلام والعمل لصالح الجميع.. "اطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" وأكد علي مسئولية الحاكم عن الرعية "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".. "لو عثرت دابة في الشام لسألني عنها ربي يوم القيامة: لم لم تمهد لها الطريق" وأكد علي محاربة الفساد "من غشنا فليس منا" وأكد علي رعاية الفقراء وما يمكن أن نسميه العدالة الاجتماعية.. وأكد علي عدم الكذب علي الله أو علي الناس "المسلم لا يكذب" وأكد علي الشوري في الحكم "وأمرهم شوري بينهم" "وشاورهم في الأمر" وأكد علي المساواة بين الرجل والمرأة.. وحرم السرقة والزنا وقتل النفس إلا بالحق.. وأشياء أخري كثيرة لا يمكن حصرها في هذه المساحة. وفي مقدمتها الدعوة إلي التعليم والأخذ بالأسباب العلمية. أليست هذه كلها يا دكتور سيد مقومات الدولة ونظام الحكم.. وهل هذه لا تصلح لكل زمان ومكان؟! الأسس التي تقوم عليها الدولة موجودة في الإسلام.. في الكتاب والسنة وإعمال العقل.. وقد أسس رسول الله صلي الله عليه وسلم للدولة في المدينةالمنورة. ثم خطا أبوبكر بعده خطوة أخري في هذا المضمار ثم جاء عمر بن الخطاب ليضع أسس وقواعد الدولة الحديثة. مرة أخري لا نريد أن نتجني علي الإسلام وننفي عنه محاسنه كراهية في الإخوان.. فالإخوان بشر يصيبون ويخطئون.. وقد أخطأوا بالفعل ولا نريد أن نتخذ هذا الفشل ذريعة للطعن في الإسلام.. فالإسلام أكبر مني ومنك يا دكتور سيد ومن الإخوان.