الصدق مع الله والنفس من أهم صفات المرء المسلم سواء كان رجل أم امرأة. فهذه خولة بنت ثعلبة امرأة آمنت بالله ورسوله. الضمير الحي اليقظ لم يفارق خيالها في أية لحظة من لحظات حياتها. وشأنها كأي امرأة تقوم علي رعاية أسرتها وأطفالها. فهي ترعي الله فيهم وفي زوجها "أوس بن الصامت" تصون بيته وعرضه دون تفريط أو افراط. تتفهم ظروف زوجها الطاعن في السن وتحترم خصوصياته وتقدر أحوالها في هذه الشيخوخة التي يعيشها المرء في ارذل العمر. ظلت خولة بنت ثعلبة وفية لزوجها العجوز وكذلك لأولادها التي انجبتهم علي فراش الزوجية. وفي أحد الأيام نشب خلاف مع زوجها "أوس بن الصامت" حول بعض الأمور الأسرية شأن كل امرأة مع رب أسرتها وقد غادر الزوج البيت عقب هذه المشاجرة حيث توجه إلي النادي بقومه فقد جلس معهم بعض الوقت ثم عاد إلي المنزل ويبدو أنه قد تناسي خلافه مع زوجته الذي قال خلال تشاجره مع زوجته "أنت علي كظهر أمي" وقد حاول الاقتراب منها وحاول أن يعيش معها في معاشرة زوجية لكنها رفضت باصرار وحاولت عبثاً أن تذكره بما صدر منه إلا أنه أصر علي تنفيذ رغبته وحاول اقتناص الفرصة بالقوة لكنها أبعدته عنها فهي القوية نشاطاً بينما هو العجوز الذي أضعفته الشيخوخة وأقسمت ألا يقربها حتي تعرف من الرسول الآثار المترتبة علي هذه اليمين الذي أصدرها لأنها غريبة لم تسمع مثله هي وأمثالها من قبل وأصرت علي موقفها بينما هو لم يلتفت إلي أقوالها. في لحظة خاطفة استعارت من احدي جاراتها ثياباً واتجهت إلي رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وأخبرته بما دار بينها وبين زوجها وأخبرته بتلك اليمين الذي أصدرها. فقال الرسول: أعلم أنك قد حرمت عليه وحاول أن يسترضيها ويوصيها خيراً بابن عمها. لكن خولة اردفت قائلة: كيف يا رسول الله وقد نثرت له بطني وارعي بيته والأسرة بكل اهتمام وعناية.. وظلت تحاور رسول الله وتشتكي إليه هذه المعاملة القاسية وأمام قول الرسول لها بأنها قد حرمت عليه: قالت خولة: يا رسول الله إن لي منه صبية صغاراً أن ضممتهم إلي جاعوا وأن ضممتهم إليه ضاعوا وأخذت الزوجة المؤمنة بكل شفافية تستوضح الرسول وتسعي لايجاد حل في اطار الحرص علي تماسك هذه الأسرة وبذل أقصي الجهد لحماية الأطفال الصغار من خطر التشرد وأخذت تشتكي إلي الله ورسوله بحرقة وصدق النية والاخلاص من أجل الحفاظ علي بيتها وأسرتها دون إهمال لشئون دينها ومبادئه التي تصون العلاقة المقدسة بين الرجل وزوجته. وقبل أن تنتهي خولة من حديثها نزل جبريل أمين وحي السماء علي الرسول بآيات كريمات تسجل هذا الحوار الذي يتسم بالصفاء والشفافية ومراقبة الله بضمير لا يعرف الالتواء أو الالتفاف علي القيم وتنزلت آيات في سورة المجادلة تسجل هذا الحوار "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلي الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" ثم أخذت الآيات توضح أن القسم يسمي في لغة أهل العلم "الظهار الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وأنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور". ثم جاءت الحلول واضحة لمشكلة هذه المرأة وأمثالها وتتمثل في أن يقوم الزوج بعتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكيناً.. وحينما سمعت المرأة هذه الحلول من عند رب العالمين أخذت تراجع الرسول وتقول إن زوجها لا يستطيع عتق رقبة ولا صيام شهرين لأنه شيخ كبير كما أنه ليس لديه مايطعم ستين مسكيناً فاخبرها الرسول صلي الله عليه وسلم بأنه سوف يتبرع بجزء من اطعام ستين مسكيناً وهذا التبرع عبارة عن قدر من التمر وهنا قالت الزوجة: وسوف اتبرع بالجزء الباقي من التمر لكي يكفي ستين مسكيناً وقد أمرها الرسول بأن تذهب لإطعام المساكين هذا التمر. تلك هي نتيجة الصبر والصدق مع الله والنفس والاصرار علي حياة الطهر والعفاف ورعاية حقوق الله وضرورة أن تتوافق الأقوال مع الأفعال.. تلك سمات المرأة المسلمة المؤمنة بربها التي ترعي الحق سبحانه وتريد أن تقوم العلاقة الزوجية في رحاب وظلال تعليمات الحق سبحانه. أن خولة بنت ثعلبة نموذج لكل بنات حواء في كل عصر ووقت. ولنا لقاء آخر معها خلال حوارها مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.