ما حدث في امبابة خطير جدا.. وما يحدث بعد ذلك مدهش للغاية.. كل الأحزاب والتيارات والرموز السياسية والإخوان والجماعة الإسلامية والسلفيين والصوفيين والأزهر والأوقاف ودار الإفتاء والكنيسة ومنظمات المجتمع المدني.. كلهم أعلنوا براءتهم من أحداث امبابة وأدانوها.. وحذروا من حرب أهلية قادمة.. وطالبوا بإعدام الجناة.. حسنا.. هذا شيء جيد.. ولكن يبقي السؤال: إذا كنتم جميعا أبرياء بهذا الشكل فمن الذي أخطأ إذن؟! لا أريد أن أكون الرقم الصعب في المسألة.. وأعلن مواجهة الجميع بأخطائهم فيما حدث فردا فردا.. رغم أن هذا أمر سهل وميسور.. لكنني أجدها فرصة لكي أدعو كل طرف أن ينظر في مرآة صحيحة بهدوء لكي يراجع نفسه.. ويري الخطأ والتقصير بعينه. لو حدث ذلك فسوف نكتشف أن الحقيقة الوحيدة في كل ما يدور حولنا من أحداث وفتن هي أن الجميع مخطئون ومقصرون.. لا نستثني أحدا.. وقد كان واجبا عليهم أن يستشعروا الخطر منذ زمن بعيد.. ويؤدوا ما عليهم من مسئوليات ومهام.. ويتكاتفوا في معالجة الملف الطائفي بحكمة وإخلاص. كان الجميع قبل الثورة يعلق تقصيره علي نظام مبارك الذي يؤجج الصراعات الطائفية ويمنع التواصل بين مختلف الأطراف حتي يستفيد من تناقضاتها ويشغلها بحروب ومعارك هامشية.. ويحول بين الأحزاب والجماعات والمنظمات وبين الوصول إلي الجماهير.. ويجرم النشاط الديني والسياسي معا.. والآن تغيرت الصورة وأصبح المجال مفتوحا تماما لكل من يريد أن يضطلع بدوره في التوعية وحل المشكلات العالقة وجمع الشمل.. لكن المشكلة أن أحدا لم يعد لديه من الوقت ما يبذله في هذه القضية المصيرية.. وغيرها من القضايا والملفات المماثلة كزيادة الإنتاج وترشيد الطاقة والمياه والاتجاه إلي الاستثمار الزراعي وإنهاء حالة الفوضي في الشارع والمؤسسات والهيئات.. وكلها - كما تري - قضايا وملفات تتعلق بجوهر حياة الوطن والمواطن. للأسف.. الأحزاب والجماعات والرموز مهمومون ببناء شعبيتهم في الشارع.. كل واحد منهم يرفع نفسه ويخفض الآخرين.. وقد تدفعه رغبته هذه إلي مجاراة الشارع ومغازلته ونفاقه ومسايرته.. بل والمزايدة عليه أحيانا. الأزهر مازال مكبلا بتقاليد قديمة ويبحث عمن يفك قيده.. ورغم التصريحات المتفائلة والطموحة التي تصدر عن الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إلا أن الواقع يؤكد أن معظم علمائنا الأفاضل لديهم تصور خاطئ بأن دورهم ينحصر في خطبة الجمعة ودروس الفقه دون التورط في مشاكل المواطنين إلا عندما تقع الفأس في الرأس. ونفس الكلام يمكن أن يقال عن الكنيسة ورجالها ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء.. هناك حالة من الحرج العام في أن يتحدث الخطباء والقساوسة عن القضايا الشائكة بصراحة ووضوح وفي العلن حتي تظهر الحقائق. لم تدرك هذه المؤسسات بعد أن زمن الغموض والصمت قد انتهي.. وأن الدنيا لن تهدأ إلا إذا أعلنت المعلومات وطرحت الخلافات علي بساط البحث بصراحة كاملة.. وكان الجمهور شريكا في الحل. علي الجانب الآخر فإن الخطاب الإخواني الذي يبدو معتدلا مازال يفتقد إلي الحركة النشطة السريعة.. ربما من باب الحرج كما قلت أو من باب انتظار ما سيأتي.. أما الخطاب السلفي فمازال يعاني من التعدد والاضطراب.. هناك من يتحدث بصوته في اعتدال واتزان وهناك من يصر علي إشعال الحرائق.. مع العلم بأن النار سوف تطال الجميع لا محالة. وقد كان أغرب ما في أحداث امبابة أن أشارت أصابع الاتهام من جانب الجماعة الإسلامية والسلفيين والإخوان والصوفيين والقساوسة إلي ما اتفق علي تسميته بفلول الثورة المضادة.. وهي كلمة فضفاضة لا تحدد المسئولية.. لكنها تريح الجميع.. وتمنحهم شماعة يعلقون عليها أخطاءهم وتقصيرهم. نحن الآن في لحظة فاصلة ويجب علينا جميعا أن نعترف بالفشل.. ابتداء من الحكومة والإعلام وانتهاء بالأحزاب والجماعات.. ولتكن هذه نقطة نتوقف عندها لنسأل: كيف نبدأ من جديد؟!.. كيف نتحرك ونتعاون وننطلق معا لننزع فتيل القنابل المتفجرة المزروعة في أرضنا الطيبة. يجب أن يكون شعارنا "نعيش معا أو نموت معا".. وتكون حركتنا للحل نابعة من اقتناعنا الصادق بوحدة الهدف والمصير.