لم أكن رأيته من قبل حين اقتحم قاعة المؤتمر "مؤتمر أدباء مصر" في لباسه الأنيق وشعره المتوشح الأبيض. يحمل حقيبته في يده. وخلفه رفيقه الدائم محمد عبد المطلب. كان ثائرا كعادته يظنه من لا يعرفه سينفجر في وجهه. كان يصب غضبته حينها علي "محمد السيد عيد" أمين المؤتمر وقتها ولكن أمين المؤتمر بابتساماته الهادئة استطاع أن يأخذه إلي مساحة الحوار عن مساحة المواجهة هدأ الرجل وجلس إلي مقعد بجواري. عرفته بنفسي .. كان هو فاروق حسان لم يكن اسمه من الأسماء التي تسقط من الذاكرة. فكنت قد قرأت له بعض أعماله القصصية وكنت بشكل شخصي منبهراً بتجمع كتاب القصة في سوهاج. ولم أكن أعرف سببا لهذا التميز المبهج للقصة في سوهاج إلي أن التقيت الرجل وعرفته. بعدها أسقطت من ذاكرتي ذلك المشهد المتنمر. وحلت في ذاكرتي صورة ذلك الشيخ الرقيق الحاشية. لن أكتب اليوم عن فاروق حسان القاص. فهذا عمل النقاد. ولن أكتب أيضا عن دوره المحوري في نشأة الحركة الثقافية في سوهاج. فتلاميذه. ورفقاء دربه في سوهاج أقدر مني علي ذلك لكن ما أود التوقف أمامه هو تلك المساحة التي أتاحها لي فاروق حسان الإنسان لألمسها من خلال علاقتي به. تلاقينا كثيرا وتراسلنا أكثر وتجاوزنا علي صفحات العديد من صحف ومجلات الخليج وتلقيت ملاحظاته علي ما أنشر وصارحته بما أراه في أعماله. بل وأسهم معي في إصدار العددين الذي قيض الله لي أن أصدرهما من مجلة "الملتقي الثقافي" التي أصدرتها عن الحزب الناصري في تسعينيات القرن الماضي. وقدم لي قراءته التي نشرت بعضها من كتاب - لم ينشر بعد- عن "بروتوكولات حكماء صهيون" وخلال سنوات قليلة صار فاروق حسان بعضا مني. بل أظنه صار كذلك» بالنسبة لكل من تعامل معه عن قرب. كان الملمح الأبرز في خلق الرجل هو جديته الشديدة التي يخيل لك معها أنه لا يداعب أحدا رغم خفة ظله في الواقع. وابسامته المطمئنة التي تتسع حين يأنس إلي من يجلس إليه. وربما كانت تلم القشرة الجادة التي يتشرنق بها مرادها إلي اعتزازه الشديد بنفسه فهو كصعيدي شديد الاعتزاز بنفسه. لا يحب أن يتجرأ أحد عليه مهما كان قريبا منه. لهذا احتجب في بيته بعد أن فقد بصره لمدة طويلة. كان فاروق حسان يعد نموذجاً لاحترام الذات واحترام الآخرين فإذا أعطي موعدا وفي به بدقة وإذا وعد وفي مهما كانت الصعوبات ولم يكن بيته كبيوتنا كل من دق بابها دخل. بل عليك أن تستأذنه قبل الذهاب إليه . وكنا نفعل. ولأننا كنا نعرف عنه هذا فحين تواجدنا وصديقي سعد عبد الرحمن في سوهاج يوما بعد أن انقطع عن الناس ولزم بيته واتفقنا أن نري صديقنا فاروق حسان. أرسلنا من يستأذن لنا في زيارته ولم نغضب حينما أبلغنا رسولنا اعتذاره فقد كنا نعلم أنه في شوق للقيانا ربما كشوقنا أو أكثر. لكنه لا يجب أن يراه الآخرون دون أن يراهم ولا يجب أن يتخيل نظرة شفقة في عيون محبيه. زرت سوهاج بعدها كثيراً..لم ألقه لكني كنت آمل أن أراه يوما. لهذا كان ألمي شديدا حين نعي إلي. فقد شعرت بالفعل أن شيئا مني يقتطع حيا.. رحم الله أخي فاروق حسان.