يبدو. والله أعلم. أن الأيام القادمة لن تكون أياما سعيدة علي الثقافة والمثقفين اذ إن تركيز المسئولين وكذلك المرشحين المحتملين للرئاسة ينصب علي الجانب الاقتصادي ومغازلة محدودي الدخل. دون ان يكون العمل الثقافي جزءا من برنامج أو استراتيجية أي مسئول أو مرشح. لاشك ان هناك أولويات واحتياجات عاجلة لابد من تلبيتها. ولاشك كذلك أن اطمئنان المسئول او المرشح علي مستقبلة يبدأ بمدي الرضا الشعبي عن برنامجه الذي يوفر قدرا معقولا من المطالب مثل رفع الأجور وتوفير فرص عمل وتوفير مسكن آدمي ورعاية صحية محترمة. وتعليم متطور. وخدمات تسهل في عمومها سبل العيش للمواطنين والبسطاء منهم علي وجه الخصوص. في احاديث المسئولين سواء رئيس الوزراء د. عصام شرف او د. سمير رضوان وزير المالية او اي من المرشحين المحتملين للرئاسة لم نضبط احدهم يشير. ولو حتي بشكل عابر الي العمل الثقافي ورؤيته له وتقديره لأهميته.. نحن اذن أمام أكثر من احتمال. الأول ان هؤلاء لا صلة تربطهم بالثقافة ولذلك لاتأتي ضمن اولوياتهم. الثاني أنهم يستهترون بالثقافة والمثقفين وبالتالي لايعيرون أمرهم أي التفات والثالث أنهم يرون في الثقافة نوعا من الترف ليس هذا وقته والرابع أنهم يعلمون جيدا قيمة وأهمية وضرورة العمل الثقافي ومع ذلك يتجاهلون الحديث عنه علي طريقة "اللي تغلب به العب به" فالناس الان تحتاج خبزا لا كتابا.. تحتاج مستشفي يعالجون فيه لامسرحا يستعينون به علي تزجية الوقت هكذا ينظرون الي المسرح وبالتالي فالحصول علي "رضاهم" ليس بوعدهم بانشاء قصر ثقافة او بدعم مشروعات النشر او بتطوير بنية المسارح. أو باصدار المزيد من المجالات الثقافية ولكن بتوفير الخبز وفرص العمل وضبط الاسعار ورعاية الفلاحين والعمال وأبناء السبيل. وفي ظني ان كل هذه الاحتمالات مجتمعة قائمة. الثقافة لاتحتل اي مساحة في تفكير المسئولين والمرشحين ومؤسسي الاحزاب. وبالتالي فإذا لم ينتبه هؤلاء الي هذا "الخطأ التراجيدي" الذي أوقعوا أنفسهم فيه.. فإن الساحة ستكون خالية تماما للتيارات الظلامية التي تجد في مثل هذه التربة معدومة الثقافة مجالا حيويا لانتشارها وتأثيرها وسيطرتها علي عقول السواد الاعظم من الشعب. وساعتها لن ينفع الندم حيث ستنحدر البلاد الي هاوية عميقة ربما تحتاج مئات السنين حتي تخرج منها. العمل الثقافي في هذه المرحلة تحديدا ضرورة وليس ترفا. ويحتاج الي دعم كبير من الدولة. فالتعليم الجيد والانتاج الجيد والزراعة الجيدة. والسلوك الجيد.. وكل شيء جيد لن يكون جيدا الا اذا كان مدعوما بالثقافة بمعناها الواسع.. بدون الثقافة لن يحافظ العامل علي آلته. ولن يطور الطبيب أو المعلم أو حتي لاعب الكرة من أدواته الا اذا كان علي درجة من الوعي والفهم والاستنارة تتيحها له الثقافة.. حتي عامل النظافة اذا لم يكن سلوكه راقيا بفعل تعاطي الثقافة.. فسوف تتحول شوارعنا الي مزبلة كونية. وقد علمت من بعض المصادر أن وزير المالية د. سمير رضوان قرر تخفيض ميزانية الثقافة في السنة المالية الجديبة بنسبة 25% ولو صدق ذلك تكون كارثة.. ميزانية الثقافة اساسا ضئيلة ومخزية وتحتاج الي ان تتضاعف. وتحتاج كذلك الي سعي واصرار من المسئولين عن العمل الثقافي خاصة وزير الثقافة د. عماد ابوغازي وسعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة ود. احمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب وذلك لزيادة هذه الميزانية او علي الاقل الابقاء عليها كما هي. هناك فئات من المواقع الثقافية في اقاليم مصر عبارة عن خرابات تحتاج الي الملايين لتطويرها ومثلها لاقامة الانشطة ولنا ان نعلم ان بيت الثقافة او قصر الثقافة في اقاليم مصر هو المكان الوحيد المتاح امام الشباب هناك لمشاهدة عرض مسرحي او حضور ندوة ادبية او فكرية او الاستماع الي الموسيقي او مشاهدة معرض فن تشكيلي.. وغير هذا المكان لاوجود لأي منشأة ثقافية يتوجه اليها هؤلاء الشباب. ينمو التطرف ويتوغل ويحضر بقوة عندما تغيب الثقافة وتتواري.. وعلي المسئولين الاختيار قبل ان نفيق جميعا علي كوارث لن نملك لها دفعا.