مفاجأة لم تكن في الحسبان ولم أتوقعها فقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالي أن أودع بالأمس فارسين من أعز الرجال. بعد مسيرة حافلة بالعطاء. والتزام بحسن الخلق والتعامل بأسمي درجات الرقي الإنساني والحضاري. تفان في العمل دون تكاسل أو تواكل. مسيرة عطرة وتاريخ ملئ بالحركة والنشاط. ارتبط الاثنان بعلاقات المودة والمحبة مع كل الزملاء والعاملين معهما. التواضع وأفضل السلوكيات من أهم صفاتهما. من أشد المفاجآت التي ساقتها الأقدار أن أتلقي خبر وفاة الزميل والصديق العزيز الأستاذ سيد أحمد محمد سليمان.. كانت صدمة قاسية تلقيتها في الصباح الباكر أمس الجمعة. انهمرت الدموع من عيني وأخذت أردد "إنا لله وإنا إليه راجعون" ولم يتوقف لساني عن ترديد تلك العبارات الحبيبة إلي نفسي "لله ما أعطي ولله ما أخذ" ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. انها إرادة رب العالمين ولا راد لقضائه سبحانه. فورا توجهت إلي مستشفي الحسين والآلام تعتصر قلبي. والأحزان تسيطر عليَّ لفراق هذا الزميل والابن البار القريب إلي قلبي. وجدت هناك كوكبة من أسرة دار التحرير للطبع والنشر مسئولين وزملاء انصهروا في بوتقة واحدة جاءوا لوداع ابن جريدة "المساء" بعد رحلة تميزت بحسن الأداء ودماثة الخلق. تفان بلا حدود في الأداء. يبذل أقصي الجهد من أجل تجويد العمل وإتقانه. لا تسمع له صوتا. كل وقته للعمل ..وخدمة الزملاء تجري في دمائه. فارس في كل تحركاته. وقد شاءت إرادة الله أن يصلني خبر وفاة زميل آخر ابن بار من أبناء مؤسسة دار التحرير انه الأخ والصديق والحبيب الأستاذ محمد بسيوني جاب الله رئيس تحرير جريدة الكرة والملاعب سابقا. وأحد الأبناء البارزين في جريدة "الجمهورية". تلقيت هذه المفاجأة الثانية بعد دقائق معدودة من العودة للمنزل بعد وداع الأستاذ سيد أحمد إلي مثواه الأخير. وقبل أن تجف الدموع علي فراق هذا الابن العزيز والفارس ذي الخلق الكريم. تحركت فورا بصحبة ابني إلي مستشفي الصفا بالمهندسين حيث يرقد جثمان محمد جاب الله بعد رحلة طويلة من المعاناة مع المرض. لم تتوقف دموعي وقفز إلي الذهن قول سيد الخلق محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم "عش ما شئت فإنك ميت واحبب من شئت فإنك مفارق" وقوله "إنما يعجل بخياركم" انها مشيئة الخالق وتلك نهاية كل حي. وبعد صلاة المغرب أدينا صلاة الجنازة علي هذا الابن العزيز وانطلقت السيارة إلي بلدته كفر عشما بالمنوفية في صحبة كوكبة من أبناء دار التحرير للطبع والنشر في الصباح كانوا في وداع الابن البار سيد أحمد إلي بلدته بأسوان وفي "المساء" كانوا في وداع محمد جاب الله. وصادفات وأقدار. وكأن الصداقة التي جمعت بينهما قد جمعت بينهما لحظة وداع هذه الدنيا الفانية. كل الزملاء والعاملين كانوا علي قلب رجل واحد في مشهد يتسم بالشهامة والرجولة ومشاركة أهل الفقيدين العزيزين في مصابهما بكل المودة والحب والمشاطرة بكل همة ونشاط تقديرا للظروف التي ألمت بهما. حقيقة لم أكن أدري أن لقائي مع سيد أحمد منذ يومين انه آخر لقاء فقد كانت دماثة خلقه وتواضعه الجم يجعلني أخجل من أسلوب هذا الابن لقد عرفت سيد أحمد بعد عودته إلي أرض الوطن بعد رحلة في إحدي البلاد العربية. كان التعارف بيننا في صالة التحرير بمقر جريدة "المساء" في شارع زكريا أحمد التحق بقسم سكرتارية التحرير فكان جنديا في هذه الكتيبة يعمل بكفاءة لكنه طلب الانتقال إلي قسم آخر. وتحقيقا لرغبته تم نقله إلي باب "تحياتي للمساء" فكان نموذجا للعطاء. والجد والاجتهاد ثم كانت رحلة أخري في سجل هذا الزميل فقد اسندت إليه رئاسة قسم المحافظات. فكان نجما يحضر للجريدة صباحا وبعد الظهر يعود إليها متابعا. وقد شاءت الأقدار أن يفاجئه المرض وهو في الطريق إلي الجريدة في "المساء". ثم فاضت روحه في مستشفي الحسين بمنطقة الأزهر بعد محاولات مضنية من الأطباء لإنقاذه لكن سبقت إرادة الله. ورحل عن عالمنا هذا الابن العزيز.. رحمه الله وأجزل له العطاء!! أما المفاجأة الثانية فقد تمثلت في خبر وفاة الابن العزيز والأخ الذي لم تنقطع علاقتي به منذ أن استقبلته في صالة التحرير بجريدة "الجمهورية". وقد جاء عقب تخرجه في كلية إعلام القاهرة فكان مثالا للتفاني في العمل كانت خبطات خلال عمله بقسم القضايا والحوادث. ثم انتقل إلي القسم الرياضي فكان فارسا صاحب مجهود متميز. ومن تصرفاته التي لا أنساها مدي الحياة انه كان دائم السؤال عني. يفاجئني بزيارته في المكتب أو المنزل ورغم معاناته من المرض اللعين كانت اتصالاته بي لا تنقطع سوف تظل ذكراه ماثلة في الذهن. وداعا هذين الزميلين والفارسين في العمل وحسن الخلق ولم أجد في رثائكما سوي قول الشاعر العربي: ما كنت أعلم قبل حطك في الثري ان الثري يعلو علي الاطواد اعزز عليّ بأن يفارق ناظري لمعان ذاك الكوكب الوقاد بعدا ليومك في الزمان فإنه أقذي العيون برفث في الاعضاء رحمكما الله أيها الرجلان ونسأل الله أن يتغمدكما بواسع رحماته وأن يجزل لكما العطاء وأن يعوضنا عن فقدكما خيرا.. ونسأل الرحمن أن يلهم أهلكما الصبر والسلوان.