إنني أجلس الآن أمام البحر ساعة الغروب في النصف الأخير من شهر أكتوبر وبالتحديد في فصل الخريف وكانت قد مضت علي مدة طويلة قرابة الأربعة أشهر وأنا أجلس في هذا المكان في ركن قصي من شرفة كبيرة وواسعة جدا تطل مباشرة علي الرمال والتي يسبح البحر في نهايتها أري الموجة تتلاطم مع الموجة التي قبلها وعجبي علي هذا البحر أنه يشدني بالساعات الطويلة إليه وأنا أنظر في وله وإعجاب تجاهه ولا أمل أبدا من التطلع إلي سكونه وهياجه. أنظر إلي الأفق وأجد نفسي أتلاشي في لا شيء.. ساعات طويلة تمضي علي وأنا لا أفعل شيئا سوي السرحان في هذا الملكوت اللانهائي.. والغريب أنني لا أشعر بزهق أبدا وكأن ساحرًا يجذبني إليه ببخوره وبتعاويذه.. صوته يهدهدني وأشعر براحة غريبة حتي أنني أغلق هاتفي بالساعات الطويلة لكي لا يأخذني أي أحد من تصوفي هذا.. علما أنني لا أحب النزول إليه ولا ملامسة مياهه وأيضا أشعر بقشعريرة غريبة لو تلامست أصابع قدمي الرمال لذلك تجدوني طوال الوقت فقط أنظر إليه عن بعد وأتوه معه في الأفق البعيد وأبدأ لالتقي معه مثلي مثل الفتاة الصغيرة حينما تنظر إلي شاب جميل عن بعد وتتلهف لرؤيته ولكنها أبدا تتحاشي اللقاء به.. ويكفيها فقط رؤيته وعند ذلك وفي تلك اللحظة يخفق قلبها بالحب والوله به. هذا هو أنا وشعوري ناحية البحر.. أحبه من بعيد ولا أحب لقاءه ومداعبة موجاته لي.. لأنني أشعر أنه سيجرفني بعيدا وأنزلق في هوة سحيقة.. وفي جلستي هذه الآن وأنا استعد لمغادرة هذا المكان الأثير لدي وأرجع إلي مدينتي وبيتي في القاهرة.. يا له من وداع صامت مع حبيب مجهول بالنسبة لي.. إنني لا أري له نهاية يجذبني إليه بشدة ياتري إذا غبت عنه هل سيسأل عني لأن يراني أمامه كل يوم ولعله يتساءل لماذا لا أحب التلاقي فقط انظر إليه وهو الآخر أشعر به يداعبني لأنه في بعض الأوقات أجده هادئا ناعما سلسا وفي أوقات أخري أجده هادرا ثائرا مخيفا ووقتها اسأله بعيوني لماذا هو هكذا ولماذا هو اليوم ساخط غادر هل جلستي هذه الهادئة وتطلعي إليه قد أثارته في شيء أم أنه يريد أن يحكي لي عن شيء آخر. يا أصدقائي أعرفك أنني لم أنسكم لحظة واحدة من مكاني هذا لأنني كنت دائما متواصلة معكم ولكني اعترف لكم أنني حينما ألملم أشيائي وأوراقي وأقلامي وأضعها في حقيبتي لأرجع إلي مدينتي أشعر أنني قد اقتربت منكم أكثر يا أعز الناس إلي قلبي يا قرائي الأحباء ولكن أيضا سأشتاق إلي صوت تلاطم الأمواج وعيناي تبحثان عن الهدوء ونزول الشمس في الأفق اللانهائي يا له من منظر جذاب وقت غزوب الشمس الحمراء وتلاشيها في غياهب البحر. أيضا جسدي سوف يبحث عن لسعة البرد اللذيذة التي تأتيني ومعها بعض رذاد المياه من البحر ليبرد سخونة هذا الجسد الفائر ولكن ماذا أفعل الكل من حولي قد غادروا هذا المكان الذي أحبه وأنا بالتالي لا أحب الوحدة. لذلك سأرحل أنا الأخري وآتي إليكم إلي بلدي التي بها مقر جريدتي والتي اكتب منها إليكم.. لذلك تجدوني أشعر أني برجوعي هذا كأني اقترب منكم وأضمكم إلي صدري وأقول لكم يا قرائي وأعزائي وأحبائي وحشتوني وحشتوني ووحشني لقائي معكم ومنذ الآن أنا قريبة جدا منكم علما أنني وأنا أمام البحر ما نسيتكم أبدا بل كنتم دائما علي بالي وفي خيالي ووجداني وهل يوجد أكثر من حب الكاتب لقرائه لأن لو كتب أي كاتب أحلي الكلمات ولم يجد من يقرأها فما فائدتها إذن الكاتب والقاريء هما منظومة متكاملة ومتجانسة ومتفاهمة بعضها مع بعض.. ولذلك اعذروني إذا تأخرت في التواصل مع بعض منكم لأنه يأتيني أسبوعيا الكثير والكثير من الإيميلات التي تسعدني وتفرحني هذا غير الخطابات عبر الجريدة ولذلك لا استطيع أن أرضيكم جميعا ولكني أؤكد لكم أنني اقرأ جميع رسائلكم واستمتع بها وأيضا احتفظ بها جميعا. ولي تعليق أخير أحب أن أخبركم أنني لن أرد علي أي تليفون يأتيني من أحد القراء أيا كان لأنه ليس لدي وقت وأسرتي تحتاجني جدا ويكفيني أنني اقرأ خطاباتكم وأيضا الإيميلات وأرد عليها وبلاش حكاية التليفون هذه التي في الحقيقة أكرهها جدا جدا..!! مع الأصدقاء إلي الصديق يسري فاروق.. لا تتصور مدي سعادتي بكلماتك في ايميلك لأن الكتاب هذا يستحق الإشادة فلا تشكرني كثيرا وإلي تواصل دائم.