منذ سنوات طوال والجميع يتحدث عن فساد المحليات حتي فقد الكلام معناه لأنه ظل كلاماً غير مدعوم بإجراءات رادعة وعقوبات صارمة تواجه هذا الفساد الذي أصبح واقعا يفرض نفسه!! ووصل الفساد إلي قمته منذ قيام ثورة يناير والتي انتظرنا منها أن تصحح الأوضاع الخاطئة لكن سوء الأداء والحكومات الرخوة التي توالت علي الحكم زادت الطين بلة وتحول مجال البناء في مصر طولاً وعرضاً إلي سمك لبن تمر هندي وإلي حالة فريدة من الانتهازية!! رأينا فيلات يتم هدمها ويقام مكانها عمارات شاهقة في أماكن غير مسموح فيها بذلك!!.. ورأينا طوابق عديدة تضاف إلي عقارات قائمة دون مراعاة لمدي تحمل الأساسات .. فالمنزل المكون من طابقين يتحول بقدرة قادر إلي 12 طابقاً في أسابيع معدودة!! رأينا بناء علي الأرض الزراعية!! ولأن الدولة غابت كثيراً وبدا المسئولون مرتعشين كثيراً فقد ضاعت أيضا بعض الأمور الإيجابية التي كانت قد استقرت عندما كان للدولة يد قوية مثل الالتزام بوجود جراج في كل عمارة فتحولت معظم الجراجات إلي مخازن ومحلات وأصبحت مصدر خطر علي سكان العمارات .. أقرب مثال علي ذلك عمارة المعادي التي تحول فيها الجراج إلي مخازن لأحد المطاعم الشهيرة والتي وعد المحافظ بإلغاء هذه الأنشطة بل وقطع المياه والكهرباء عنها.. وطبعا الكلام لن يأخذ طريقه للتنفيذ والواقع يؤكد ذلك.!! في ظل هذه الأوضاع المتردية كان من الطبيعي أن تتم أيضا عمليات الهدم بشكل عشوائي وينتج عن بعضها كوارث آخرها عقار شارع فيصل حيث تم الهدم والحفر تمهيداً للبناء دون مراعاة للقواعد الهندسية وكانت النتيجة انهيار العقار المجاور وتشريد سكانه.. وهنا يطل من جديد فساد المحليات .. لماذا؟ لأن مهندس الحي الذي عاين العقار المنهار طمأن السكان الذين استغاثوا به بأن الخطورة منعدمة وأن العقار يمكن أن يظل آمنا عشر سنوات علي الأقل!! .. وبعد كلامه هذا بساعتين انهار العقار!!.. ولولا ستر الله سبحانه وتعالي لكان الضحايا بالعشرات فقد استمع السكان إلي نصيحة مهندس جار لهم في المنطقة طالبهم بالاخلاء الفوري لأن العمارة سوف تنهار خلال ساعات .. وقد كان!! انهيار العقارات لن يتوقف وأمامنا مدينة الاسكندرية النموذج الصارخ لمخالفات البناء والتي يصحو سكانها كل عدة أيام علي خبر انهيار عقار علي من فيه بينما حجج المحليات كما هي منذ سنوات!! ما نراه من فوضي وعشوائية ومظاهر خطر في مجال البناء في مصر يقول قولاً واحداً وهو أن الدولة ما تزال غائبة لا وجود لها لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هي غائبة عن عمد أم قلة حيلة .. عموما من هم الاجابتين تمثل كارثة في حد ذاتها .. ولك الله يا مصر.