لم أتوقع أنني وبعد أيام من نشر قصتها عبر نافذتك سأكون أول الساعين للاتصال بك لأحدثك عما جرت به المقادير في أعقاب تناولك لحكايتها الأربعاء قبل الماضي تحت عنوان "محاكمة أم".. فأنا وبصفتي صديقا لعائلة هذه الأم وقريبا من كل فرد فيها استطعت التعرف علي ما أحدثه نشر تلك الرسالة من ردود فعل سواء من جانب الأم أو صديقي.. أستاذ الجامعة. وأبدأ بالأم التي قمت بزيارتها ليس فقط للاطمئنان عليها بعد أن اشتد عليها المرض في الفترة الأخيرة وإنما لأحضر لها - كما وعدتها - نسخة من الجريدة التي تحمل قصتها واقرأ عليها نصيحتك لها بكيفية الخروج من حالة الاكتئاب التي ألزمتها الصمت نتيجة لتمادي أصغر أبنائها في مقاطعتها علي واقعة مضت عليها سنوات طويلة؟! يومها.. طلبت مني معاودة قراءة تعليقك علي رسالتها خاصة الجزء الذي وجهت فيه الكلام لولدها وتحذيرك له بعدم الاستغراق في استدعاء الماضي الذي لن يحصد من ورائه سوي مزيد من العقوق وهو ما يعجل الله بعقوبته في الدنيا قبل الآخرة.. و.. هنا أخذت تردد بقلب الأم الذي لا يعرف سوي العفو والصفح: "وقاه الله من شر العقوق وعقوبته.. أنا مسامحة"!! أما ولدها وصديقي الأستاذ الجامعي فقد تحدث إليّ معاتبا علي تشجيعي لوالدته للكتابة إليك عسي أن يصل صوتها إليه فجاءت كلماتك له لتدعوه بأن يترفق بأمه ويسارع في إرضائها في حياتها قبل فوات الأوان ما دفعه للاتصال بأخوته للسؤال عنها فأخبروه بأن صحتها في تدهور.. فما كان منه سوي أن أخذ يبكي ثم أنهي المكالمة سريعا منتويا زيارتها من باكر.. وجاء الصباح لتغيب هي عن الدنيا كلها فقد تلقي خبر وفاتها وهو في الطريق إليها!! فات الأوان تحذير لم تمض عليه أيام معدودة حتي تحقق في مشهد درامي مؤثر وأنا أراه يتلقي واجب العزاء في أمه تلك التي لم يغفر لها زلتها في يوم من الأيام وحين شددت علي يده مواسيا أوصاني بهاتين الكلمتين لكي أخبرك بهما: "البقاء لله.. ندم بعد فوات الأوان" كلمتان كانتا وراء هذا السؤال الذي رحت أسأله لنفسي هل اخطأت حين سعيت لتضميد جراح طال نزيفها فلم يأت من ورائها سوي مزيد من الألم والندم.. هكذا حال صديقي الآن..؟..فهل اخطأت؟ يحيي محمد أمين - روض الفرج المحررة: وهكذا الأم دائما تلتمس الأعذار لأولادها وتجنح للصفح والعفو عنهم مهما أساءوا أو تمادوا في الخطأ.. لذا حينما أحست بدنو الأجل حاولت أن تبعث برسالة أخيرة إليه عسي أن يقرأها ويعينها علي اجتياز حالة الاكتئاب التي اعترتها مع إصراره علي مقاطعته لها تلك الحالة التي عبرت عنها بقولها: "لقد أصابني الخرس من هول ما اقترفه في حقي متناسيا أنني مازلت أمه فماذا تقولين لي وله"؟ رسالة أخيرة حاول صديقك تفادي عواقبها لكن كانت مشيئة الله الغالبة فرحلت الأم بعد أن أوصت باقي أولادها بأن يخبروه بأنها قد صفحت عنه وسامحته.. وهو ما لا يستدعي منه الامعان في جلد الذات والندم علي ما فات.. فكل ما تحتاجه منه أمه الآن هوالعمل بالحديث النبوي الشريف: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له".. فليكثر صاحبك من الدعاء لها والتصدق علي روحها.. والتواصل مع كل من كانت تتزاور معهم في حياتها. وأخيرا.. أقول لصديق العائلة لا تجلد ذاتك أنت الآخر فقد فعلت ما يمليه عليك ضمير نحو أم يتمزق قلبها علي حال ولدها.. وصديق كان بحاجة لمن ينبهه لعاقبة التمادي في خصام أمه إلي أن اخطأت يوما.. فكان خطأ عن جهل وخوف شديد من المجهول الذي ينتظرها بعد رحيل أبيك وأنت وأشقاؤك في سن صغيرة جدا.. لكنه الخطأ الذي جعلك توقع أقصي عقوبة عليها.. عقوبة المقاطعة مدي الحياة.. وها قد انتهت المحاكمة.. ورفعت الجلسة.. رحمها الله. ***** ** ولمن لم يقرأ قصة "محاكمة أم".. فهي تدور حول قصة سيدة مكافحة حرصت علي تنفيذ وصية زوجها بعد رحيله.. فسعت إلي إدارة محل الخضراوات الذي تركه لتوفير حياة كريمة لأبنائها الأربعة ومواصلة تعليمهم حتي الجامعة لكن واجهت من المشكلات ما دفعها للزواج بأحد تجار السوق لتوفير الحماية لها والعون.. وهو الأمر الذي اضطرت لاخفائه عن أولادها حرصا علي مشاعرهم لكن ما حرصت علي اخفائه جاء اليوم ليعلم به الجميع وهو ما كان بمثابة صدمة لأصغر أبنائها الأستاذ الجامعي فلم يغفر لها هذا الفعل رغم استجابتها الفورية لمطلب أولادها بالطلاق من ذاك الرجل!! وظل علي قطيعة معها لسنوات طويلة ولم تفلح كل محاولاتها في إصلاح هذا الكسر الذي حاولت علاجه مرارا وفشلت.. فسعت للكتابة لنا لعل صوتها يصل إليه. لكن رغم وصول صوتها لم تشأ الأقدار أن يلتقي بها ويطلب الصفح والعفو عنها.. غفر الله لها وله.