كثر الحديث حول جدوي محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك.. والفائدة التي يمكن أن تعود علينا من هذه المحاكمة في الداخل والخارج.. مع العلم بأن هناك أطرافاً إقليمية ودولية ترفض محاكمة مبارك وتستخدم كل أسلحة الضغط لمنع استكمال إجراءات تلك المحاكمة. ولا شك أن محاكمة مبارك ستكون لها انعكاسات مهمة جداً علي الساحة السياسية والاقتصادية شئنا أم أبينا.. وهناك حكام في المنطقة العربية يخشون من أن تكون محاكمة مبارك سابقة حية في أذهان الشعوب ونموذجاً يحتذي.. مع أن هؤلاء الحكام لم يهتزوا حينما حاكم الأمريكان صدام حسين وشنقوه.. فالقضية هنا أن الشعب هو الذي يملك الزمام.. وهو الذي يقرر ويحاكم.. وهذا هو مكمن الخطر.. أن تكون الكلمة للشعوب. ثوار اليمن -علي سبيل المثال- يرون أن محاكمة مبارك هي السبب في تشبث علي عبدالله صالح بالسلطة حتي الآن.. وعدم تقديم استقالته.. وذلك لأنه أدرك أن مصيره سيكون المحاكمة مباشرة بعد أن يغادر كرسي الرئاسة مثلما يحدث لمبارك. علي الجانب الآخر فإن ثوار تونس تنبهوا إلي أن المصريين أقدموا علي محاكمة رئيسهم وهم لم يفعلوا ذلك.. مع أنهم كانوا سباقين بالثورة.. لكنهم أيقنوا الآن أنه لا مفر من استعادة بن علي من السعودية ومحاكمته. محاكمة مبارك إذن ستكون البداية لصفحة جديدة في تاريخ منطقتنا العربية.. لن يكفي فيها مساءلة الرئيس أمام البرلمان.. وهو ما كان محرماً من قبل.. وإنما محاكمته وسجنه أو حتي إعدامه.. وهذا في حد ذاته تطور خطير في الممارسة السياسية لشعوب المنطقة. ولن تكون هناك حصانة لأحد.. كائناً من كان.. ما دام رئيس الجمهورية قد سقط من عليائه.. وثبت من خلال التحقيقات والمحاكمة أنه ليس مقدساً.. بل إنه ليس فوق مستوي الشبهات. وبالتأكيد ستكون هذه المحاكمة درساً قاسياً للرئيس.. بل للرؤساء.. الذين سيحكمون بعد مبارك.. لأنهم رأوا بأم أعينهم أن القانون لا يحابي أحدا.. وأن العدالة سيف فوق الرقاب لمن يفرط في مسئولياته أو يفسد في استخدام السلطات التي منحها له الدستور. وقد بات واضحاً أن الشعوب لن تتخلي عن حقها في محاكمة رؤسائها بعد اليوم .. وحتي الاتفاق الأخير بين أحزاب المعارضة في اليمن وحكومة علي عبدالله صالح والذي من المقرر أن يتم توقيعه اليوم أو غداً .. هذا الاتفاق لن يحمي صالح من المحاكمة رغم أنه يعطيه هذه الحصانة.. لكن الأحزاب شيء وإرادة الشعب شيء آخر.. والثوار الذين ينتشرون في الشوارع والميادين ستكون لهم كلمة أخري مستقلة عن الأحزاب.. وهذه الأحزاب ربما تكون مشابهة لأحزابنا الكرتونية.. البعيدة تماماً عن التأثير في الشارع.. ولذلك فإن محاكمة عبدالله صالح ليست مستبعدة اليوم.. أو في الغد. ولو أن القذافي وبشار الأسد وعلي عبدالله صالح أدركوا خطورة محاكمة الشعب للرئيس لأقدموا علي هدم أنظمتهم المتخلفة بأنفسهم.. وأقاموا بدلاً منها أنظمة ديمقراطية عصرية.. يعلو فيها القانون والدستور فوق كل الرءوس.. وينتهي فيها حكم الفرد.. الذي يقول للشيء كن فيكون. وفي تصوري أن محاكمة مبارك ستكون كلها فوائد لأنها سترسي سابقة ديمقراطية لمحاكمة كل الرؤساء والوزراء والملوك والأمراء الفاسدين.. وستعطي الشعوب إرادتها بيدها.. وستجعل فرائص الحكام المستبدين ترتعد. لكن المهم في كل الأحوال أن تكون محاكمة مبارك عادلة ونزيهة أمام قاضيه الطبيعي.. وبالقانون العادي بلا أية إجراءات استثنائية ولا محاكم عسكرية أو إدانات دينية تكفر أو تخوّن. نريد أن تعطي مصر النموذج الحضاري وهي تحاكم رئيسها وتضمن له كل حقوق المتهم.. وأولها حقه في الدفاع عن نفسه دفاعاً كاملاً وقوياً.. ويوم أن ننصف مبارك بمحاكمة عادلة سوف تشهد لنا الدنيا بأننا أمة عادلة وأمة تستحق أن يأمن فيها المستثمر علي روحه وأمواله.. ومن ثم يأتي إليها بكامل إرادته لكي يستفيد ويفيد. فلتكن محاكمة مبارك عنواناً لعصر الحرية القادم.. عصر المساواة والديمقراطية الكاملة.