ما أحوج أمة الإسلام إلي رجال يستلهمون عبقرية عمر لقد أرسي الإسلام منذ فجر الدعوة المحمدية قيم الحضارة الإنسانية في نفوس العرب والعالم. احترم آدمية البشر. ووضع سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم اللبنات الأولي في صرح الدولة الإسلامية. استطاع بجهد وصبر وحسن خلق بناء رجال كانوا نماذج في قوة الإيمان وتحمل الأمانة. ومواجهة الشدائد بعزيمة لا تعرف اليأس واخلاص وتفان في أداء المهام في أصعب الظروف وأشد المواقف ضراوة. وكانوا بحق علي مستوي المسئولية وقدروها حق قدرها. ولعل شهادة رب العالمين لهؤلاء الرجال أبلغ دليل. "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا". وقد ظهرت نتائج هذه الجهود المبهرة لسيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم حين طلب من هؤلاء الرجال البيعة حين احتدم الصدام مع كفار مكة وانبعثت في الآفاق نذر الشر يوم أن منعت قريش وأهل أم القري الرسول وأتباعه من دخول المسجد الحرام. وفي خلال هذه الأزمة استدعي الرسول هؤلاء الرجال ووسط هذا الجمع ظهرت أصالة معدنهم الطيب فكانوا علي قلب رجل واحد وبايعوا رسول الله علي الوقوف والتضحية بأنفسهم وقد أشاد الحق سبحانه بهذا الموقف الرائع: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا. ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً" 18. 19 سورة الفتح. حقيقة لم تهن عزيمة هؤلاء الرجال ولم يفت عضدهم قوة وعتاد الخصوم في مكة. الإيمان في الصدور قوة تدفع في النفس الهمة والنشاط. وتعلي قيم الحق والعدل ولذلك كان وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم يتهلل بشراً وسعادة حينما يري هذه المواقف وتلك العزيمة في قلوب أتباعه. ولذلك انقشع الجهل وتعلمت الإنسانية أسلوباً جديداً تجلت عظمته بأبهي صورها علي أرض الواقع وقد تباري المؤرخون والمفكرون في تأثير الإسلام في الأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع. ولا شك ان هؤلاء الرجال كانوا نجوماً يقول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". تلك هي حضارة الإسلام وقيمه التي أثرت حياة البشرية وأعلت قيم العدل والحكمة. وكانت السماحة وطيب القول هي لغة الحوار مع الآخرين قول الله في سورة النحل كان دائما أمام نصب أعين هؤلاء الرجال: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" فلا غلو ولا تشدد ولا تكفير لأحد كما نري هذه الأيام. انما الرحمة والسماحة والقول اللين هو اللغة الدائمة في التخاطب مع الآخرين. حقيقة إن عالمنا المعاصر يموج بالكثير من الأفكار المتطرفة والفتن المتعددة مما أدي إلي تشرذم المجتمع وتحوله إلي فرق متناحرة كل طائفة تزعم انها علي الحق وأصبحت لغة الانفصام والتفرق هي السائدة. ولا سبيل لهذه الأمة الإسلام إلا بالعودة إلي تلك المباديء التي غزت القلوب والنفوس فسادت قيم العدل والرحمة وكان الترحيب برجالات الإسلام في أي مكان بهذا العالم وحتي القرن الحادي والعشرين الذي نعيش أيامه الآن. ما أحوج الأمة الإسلام إلي رجال من أمثال عمر بن الخطاب يستلهمون عبقرية هذا الرجل ويتخذون من ابن الخطاب قدوة تنير لهم الطريق وتأخذ بأيديهم نحو نهضة الأمة والسمو بحضارتها إلي آفاق رحبة تبعث في النفوس من رقادها. وتعيد الوحدة إلي الصفوف وتقضي علي الفتن التي تعصف بالأمة ورجالاتها. لقد كان أمير المؤمنين أبو حفص عمر قوياً في إدارته وحكمه واستطاع أن يحقق للأمة الإسلامية توازنها ويحافظ علي عزتها ويسعي لحمايتها من سيطرة قادتها في كل الولايات التي كانت تتبع إمارته الفتية. كان يحرص علي استشارة رجال الأمة ويستمع في أناة لكل الآراء ولعل أبلغ مثال ما حدث يوم أن كان في أرض الشام حيث انتشر بها الطاعون وقد انقسم الناس بين من يريد الخروج من منطقة الطاعون ومنهم من يريد البقاء فيها. وأمام هذا الانقسام استدعي كل فريق علي حدة واستمع إلي الآراء جميعها ثم خلا إلي نفسه واتخذ القرار المناسب بعد فحص وتقليب للأمور علي كل الأوجه ومختلف الآراء وقد تمثل القرار في الخروج من هذه المنطقة وحين همّ بالخروج استقبله أحد الرجال فقال له: يا عمر أتفر من قضاء الله؟ فكان رد أمير المؤمنين متمثلاً في كلمات مقتضبة: "نفر من قضاء الله إلي قضاء الله". نريد رجالا يستلهمون عبقرية عمر ويتخذون منهجه أسلوب حياة "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم".