بعد ان استقر رسول الله صلي الله عليه وسلم بالمدينةالمنورة والتف حوله رجال من المهاجرين والانصار وغيرهم ممن دخلوا في دين الله أفواجاً وبعد أن استطاع سيد الخلق تحقيق الامن والأمان بعقد المعاهدات مع جيرانه بالمدينة قام بوضع اللبنات الأولي في قواعد الدولة الاسلامية وكان الايمان الثابت والتقوي وتحقيق العدل والمساواة من الضوابط الراسخة التي قامت ونهضت علي أساسها تلك الدولة الجديدة التي بعثت في العالم القيم الانسانية وانبهر بها الشرق والغرب ولاتزال هذه القواعد والضوابط التي تميزت بها هذه الدولة في عهد النبوة الأولي نبعا يبعث في الدنيا بأسرها معالم الحضارة التي جعلت الانسان في مقدمة أولوياتها فقدمت للساحة رجالاً كانوا من عجائب الدهر ولاتزال الأمة الاسلامية تفخر بهم وتضع نماذج منهم أمام الأجيال المتعاقبة يلتمسون منهم القدوة في الاقدام وتحمل الامانة والمسئولية ويتعلمون الكثير من الدروس للاستفادة بهاشاءت الأقدار ان يكونوا في موقع الصدارة وقيادة الأمة. ولا شك أن استيعاب هذه الدروس من القيم التي غرسها رسول الله في قلوب أصحابه تصقل شباب الحاضر وتدفع بهم إلي مقدمة الصفوف فيستطيعون بفضل من الله وبقوة الارادة والعزيمة اخذوا زمام المبادرة وقيادة الأمة بكفاءة واقتدار بعيداً عن التخاذل والمطامع والأغراض الشخصية والنهوض بأمتهم بأفضل أساليب النهضة واتخاذ الحكمة منهجاً وسبيلا إلي الرقي والتقدم بعيداً عن الغلو والشطط والتطرف بأ ي صورة من الصور فالأمة الاسلامية والعربية في أشد اللحظات حاجة لأمثال هؤلاء الرجال الذين قامت علي أكتافهم الدولة الاسلامية الأولي وعاصمتها المدينةالمنورة. لقد كانت الشوري ودعائم المودة والمحبة هي التي تربط بين الرسول وأصحابه.. كانوا رجالاً وأبطالاً بايعوا الرسول علي الموت في سبيل الحق الصبر ددينهم والجهاد وتحقيق العدل والمساواة غايتهم وبهذه المباديء السامية استطاعوا اخراج الأمة من الظلمات إلي النور وتعلموا من الرسول المباديء التي أهلتهم لمركز القيادة والريادة فكانوا بحق فرسانا بفضل رسوخ القيم التي وضعها الرسول في قلوبهم وحققها من قبل علي أرض الواقع بأعماله وسلوكياته وأخلاقه العظيمة التي امتلك بها قلوب كل من تعامل معه سواء من المسلمين أو غيرهم من أهل الديانات الاخري الذين انبهروا بصفاته العظيمة ونبل تعاملاته التي تقطر انسانية وقيماً حضارية لم تعرف البشرية لها مثيلا. لقد أحاط الرسول حوله مجموعة من الرجال كان يستشيرهم في عظائم الامور ويطلب آراءهم في مختلف القضايا والمشاكل التي تعترض طريق بناء المجتمع من هؤلاء الرجال أبوبكر وعمر. وعثمان وعلي والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسهل بن حنيف وأبودجانة وطلحة بن عبيدالله الذي لازم رسول الله ووقاه بنفسه مدافعاً عنه صلي الله عليه وسلم نبل المشركين حيث كان يتقي ضربات هذا النبْل بيده حتي أصيبت يده وشلت أصابعه فكان أول فدائي في الاسلام وغير هذا الصحابي رجال رأي منهم العالم نوابغ كانوا عجائب الدهر في مقدمتهم أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب الذي كان يرعي الابل لأبيه الخطاب وينهره.. ولم يتنبأ له أحد المكانة العالية ولا يحسب له أقرانه حسابا فإذا به يفاجيء العالم بعبقريته وقوة شخصيته ورسوخ العدل والايمان والشجاعة في وجدانه وقد استطاع حين تولي مسئولية الأمة بعد أبي بكر الصديق ان يؤسس دولة اسلامية تجمع بين ممتلكاتها قوة في الادارة ونظاماً رائداً بالاضافة إلي الورع والتقوي والعدل الذي لايزال فيه المثل السائر ولا يزال العالم العربي والاسلامي يتمثل شخصية هذا القائد الشجاع ويقولون نتضرع إلي الله ان يهب للعرب والمسلمين رجلاً في مثل شخصية عمر بن الخطاب فما أحوجنا إلي رجل بمثل هذه المواصفات في ذلك الزمن الذي عز فيه أمثال هذا الرجل ورفاقه من الذين تربوا في صدر الدولة الاسلامية علي يد سيدنا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه. لقد كان لكل رجل من أصحاب رسول الله صفات تميز بها عن الآخرين وقد كانت هذه الصفات هي التي جعلت عمر بن الخطاب يجعل الرجل المناسب في المكان المناسب فقد استعان بخالد بن الوليد في المعارك الحربية حيث ترك ذكراً خالداً في هذا المجال علي مدي التاريخ وها هو أبوعبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص الذي فتح مصر وغيرهم. وقد كانت خلافة عمر بن الخطاب نموذجاً فريداً فقد كان يختار الرجال وفقاً لما تميزوا به من جميع الصفات فها هو علي سبيل المثال لا الحصر استفاد بكفاءة صحابي جليل من الرعيل الأول انه حذيفة بن اليمان حيث أدرك هذا الرجل الذكي بفطرته ان الخير يكاد يكون ظاهراً لكل الناس ولكن الشر يتخفي فيلتبس ويجب علي العاقل ان يعرف كل شيء عنه ويتحدث عن حذيفة بنفسه فيقول: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة ان يدركني فأتقيه وانفرد أبوحذيفة بمعرفة المنافقين وأساليبهم فكان موضع ثقة أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وبحصافة عمر استعان برأي حذيفة وبمعرفته فوظفه في هذه المكانة لكي يستطيع تدعيم دولة العدل ويتعرف علي أولئك المنافقين الذين قد يتسببون في وضع العراقيل أمام دولة العدل والسلام. ومما ترويه كتب السير والتاريخ في هذا المجال أنه اذا مات ميت يسأل عن حذيفة فاذا حضر الصلاة عليه حضر عمر فقد كان حذيفة يعرف المنافقين واختصه بذلك رسول الله وسأله عمر يوماً قائلاً: هل في عمالي أحد من المنافقين؟ حذيفة: نعم. واحد عمر: من هو؟ حذيفة: لا أذكره وبهذا الحوار القصير تعرف عمر علي شخصية هذا المنافق وبذلك يستطيع تنقية المجتمع من أمثال هذا المنافق فهم الذين يعرقلون مسيرة الدولة الاسلامية ويتسببون في كثير من المشاكل وما أكثر هؤلاء في كل العصور خاصة في هذه الايام. فقد ابتليت مصر والعالم العربي بأمثال هؤلاء المنافقين فركبوا الموجة وأشعلوا الفتن وأثاروا القلاقل في كثير من الأماكن ولكن أين أمثال حذيفة بن اليمان لكي يتعرفوا علي هؤلاء المنافقين لتطهير المجتمع من سمومهم التي ينفثونها في صدور الناس خاصة البسطاء فلم تكد تخمد فتنة اذا بأخري تقوم علي أكتاف منافق آخر.. نريد رجالاً أمثال أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يعرفون الظلم أو التخاذل ليتنا نتخذ منهم القدوة والاسوة الحسنة في بناء أمتنا علي أساس من الحق والعدل وبالله التوفيق. دعاء "ربنا هب لأمتنا رجالاً يتقون الله. يقيمون العدل ونسألك أن تهييء لنا من أمرنا رشداً ونتضرع اليك ربنا ان تولي أمورنا خيارنا وأن تبعد عنا الأشرار والمنافقين وقالة السوء واعف عنا وانصرنا علي أنفسنا والشيطان".