حفل أوركسترا القاهرة السيمفوني الذي أقيم السبت الماضي من الأحداث الفنية التي تستحق إلقاء الضوء عليها لعدة اعتبارات أولها ان قائد الحفل يزور مصر لأول مرة وسيرته الذاتية جيدة وثانيها ان العازف المنفرد "السوليست" من عازفي الفريق المتميزين وثالثا فقرات البرنامج من الأعمال التي لم تقدم في مصر منذ فترة طويلة. الحفل أقيم علي المسرح الكبير وقاده المايسترو الكندي الزائر "كريستيان الكسندر" وكان العازف المنفرد هو عازف الفلوت المجري "بيتر أولاه" عضو السيمفوني منذ عام 2005 ويعد من العازفين المجتهدين سبق ان قام بجولة في اليابان كعازف منفرد قدم خلالها 16 حفلة كما قام في يونيو الماضي بالعزف المنفرد في فنلندا ضمن جولته مع فرقة سيمفونيتا المصرية وفي شهر أكتوبر الماضي عزف في قاعة كارينجي بنيويورك كما هناك كثير من المؤلفين المعاصرين في المجر واليابان والنمسا قاموا باهداء مقطوعات موسيقية خاصة له. تتضمن برنامج الحفل كعادة حفلات السيمفوني في العالم 3 فقرات "مقطوعة تمهيدية- كونشرتو- سيمفونية" وكانت البداية مع مقطوعة للمؤلف الفرنسي موريس رافيل "1875- 1937" بعنوان في ذكري كوبران كتبها للأوركسترا عام 1919 عقب الحرب العالمية الأولي حين تعرضت حياته للخطر وفقد العديد من أصدقائه والمقطوعة من 4 حركات كل حركة يهديها لروح أحد أصدقائه.. فرنسوا كوبران هو مؤلف عصر الباروك الفرنسي "1668-1733" والذي يعد أبو الموسيقي الفرنسية وهنا رافاييل استوحي روح موسيقاه في صياغته لهذا العمل وذكره في عنوان العمل تمجيدا للموسيقي الفرنسية كما قال ذلك مفسراً.. العمل تم عزفه بشكل جيد حيث أوضح القائد ملامح عصر الباروك التي استعارها المؤلف من زخرفة وحليات وايقاعات الرقص الكلاسيكي. وللعلم رافاييل من المؤلفين المحبين للجمهور المصري ومؤلفاته من ضمن الرصيد الفني لفرق الأوركسترا المصرية ولكن هذه المقطوعة كما سبق ان ذكرت لم تعزف منذ فترة طويلة ولهذا كان عزفها أمرا جيدا. المقطوعة الثانية والتي تمثل درة البرنامج كان "كونشرتو الفلوت والأوركسترا في سلم ري الكبير" للمولف الفرنسي جاك ايبرت "1890-1962" وهو أحد مؤلفي النصف الأول من القرن العشرين له أسلوب خاص حيث يمزج بين عدد من الأساليب تجمع بين عناصر من موسيقي الجاز كما أنها تميل في بعض الاحيان الي الموسيقي الترفيهية ولكن لا يخرج في أعماله عن النطاق الكلاسيكي وهذا الكونشرتو يعد من مؤلفاته الممميزة كتبه عام 1934 وكان اختياره موفقاً حيث قدم لنا هذا العازف المتميز "اولاي" الذي نشاهده دائماً في اطار المجموعة وكانت هذه فرصة نشاهد مهارته الفردية وقدرته علي الاستعراض خاصة في الحركة الأولي حيث تنتقل نغمات هذه الالة تحت أنامل العازف في حركات انتقالية بين فقرات لحنية صعبة بها صعود وهبوط تحتاج مهارة تكنيكية كبيرة أما في الجانب التعبيري الذي يميز المؤلفات الفرنسية بشكل عام والتي تتطلبه الحركة الثالثة نجده استطاع ان ينقل الي الجماهير الجوانب العاطفية الرقيقة التي تتضمنها هذه الحركة والتي تظهر رقة هذه الالة وتضفي لمحة حداثة علي هذا العمل الذي يعد من الأعمال المعاصرة والتي تمثل اضافة لرصيد السيمفوني المصري. ختام الحفل كان سيمفونية في سلم ري الصغير للمؤلف سيزار فرانك "1822-1890" وهو مولف بلجيكي من أبوين ألمانيين عاش في فرنسا منذ نعومة أظافره ولهذا يحسب علي المدرسة الفرنسية التي ترعرع في كنفها وتعد هذه السيمفونية من أهم أعماله وقد عرضت لأول مرة في كونسرفتوار باريس عام 1889 ويتضح فيها تنوع ثقافته الموسيقية بين المدرسة الالمانية والفرنسية فمثلا نجد هناك نغمة لحنية صغيرة "موتيفة" تظهر من حين لآخر تربط بين أجزاء العمل كله وهذا أسلوب اتبعه المؤلفون الألمان أمثال باجنر وشتراوس وفرانز ليست وغيرهم.. أما اللون الفرنسي فقد اتضح في الحركة الثانية حيث تبدأ بمقدمة رومانسية بطيئة ثم تتدرج الي نغمات راقصة يتضح فيها دور آلة الهارب ونبر الالات الوترية وعزف منفرد للكورنو. المايسترو وكما اتضح من عرض البرنامج نجد ان المايسترو الكندي كريستيان الكسندر كان موفقاً في اختياراته حيث خصص البرنامج لمؤلفين فرنسيين أي ان هناك روحاً واحدة سيطرت علي الحفل كما أنه قدم أعمالاً بها حداثة الي حد ما حيث الافتتاحية والكونشرتو من مولفات النصف الأول من القرن العشرين والسيمفونية رغم انها من مؤلفات القرن التاسع عشر ولكنها من أعمال المؤلف الجيدة والتي سبقت عصرها بعض الشيء بدليل انها لم تلق اقبالاً في بداية عرضها ثم في القرن العشرين أصبحت من أهم الأعمال التي تحرص كل فرقة ان تكون ضمن رصيدها الفني كما ان كل مقطوعات البرنامج جاءت مستساغة للأذن المصرية بما تتضمنه من ألحان معبرة وأحياناً راقصة كما أنه كان متفهماً للسمات الهامة في الأعمال واستطاع ان يؤكد علي الملامح الرئيسية التي تميز كل مؤلف كما أنه أحدث توازنا وانسجاما بين العازف المنفرد والفريق ولا نغفل دور عازفي الفريق حيث أكدوا انهم متميزون يحتاجون فقط للقائد الجيد.