أشعر أحياناً أني اعيش حيرة المازني بين ما يقرأه ويسمعه ويشاهده. يحاول أن يتعرف إلي ما يستحق الكتابة. تلح الفكرة فيعكف علي كتابتها. وتبدو ضبابية فيرجئها. لا يخلو إلي الأوراق البيضاءإلا إذا تقافزت الكلمات أمامه. تطلب جريان القلم. ما عشته في الأيام الماضية جعل من الحيرة سخفاً بلا معني. الحدث يجتذبني فهو يشغلني تماماً. هو حدث يتصل بشخصية واحدة. لكن التأثيرات لا تزايلني. فيتوريو اريجوني شاب إيطالي زار غزة ضمن إحدي قوافل رفع الحصار عن القطاع. فرض عليه الشعور بالمشاركة ان يعود إلي غزة. يمضي سنوات. يعايش أهلها الحصار. ويدعو إلي حقهم في الحرية. ويتصل بالجمعيات والهيئات الدولية. شارحاً ومندداً بالأساليب الصهيونية تحول الشاب إلي مواطن فلسطيني حقيقي. كان فيتوريو اريجوني مثلاً للمرء الذي يجد نفسه في المظلومين والباحثين عن الحرية وحق الحياة. نقش علي ذراعه وشماً بأحرف المقاومة. وخالط الفلسطينيين. وقاد المظاهرات. وغني في المجتمعات. وجالس الصيادين. وشارك الأطفال ألعابهم. وجعل من الميديا وسيلة لنصرة الشعب الفلسطيني. وعند عودته إلي غزة من بلاده. كان يحرص علي تقبيل أرض القطاع تأكيداً للصلة الحميمة بين شعبها وبينه. بل إنه شارك في بعض عمليات المقاومة علي حدود غزة. وفي عز معركته النضالية. دفاعاً عن فلسطينيي غزة. اختطف فيتوريو. وحدد خاطفوه مهلة زائفة يتم خلالها الافراج عن قائد للجماعات السلفية. وثبت زيف المهلة حين قتل فيتوريو بعد ساعات قليلة. وعثر عليه مخنوقاً في مدخل بناية قديمة. لا أعرف الشاب. ولا التقيته من قبل. حتي صورته لم أكن رأيتها قبل ان تحدث الجريمة القاسية. فقدمت الفضائيات لقطات من انشطته في أرض غزة. دافع السلفيون عن أنفسهم بأنهم لم يرتكبوا الحادثة البشعة. وأنهم يعرفون الدور الذي كان يؤديه الناشط الايطالي لصالح القضية الفلسطينية. وسواء كان القتلة من المنتمين إلي الجماعات السلفية أم لا. فإني أشم رائحة الموساد في الحادثة. بما يذكرني بالناشطة الأمريكية راكيل كوري. حين قضت نحبها تحت بلدوزر إسرائيلي. كان يقوض البنايات. ووقفت امامه متوهمة ان سائقه سيوقفه. لكنه واصل السير مدفوعاً بالأوامر حتي قتلها. وهو ما يذكرني ايضاً بالناشط الآخر جوليانو الذي اغتيل مؤخراً في مخيم جنين. لا يخلو من دلالة إصرار أسرة فيتوريو اريجوني علي ان يغادر جثمانه القطاع من معبر رفح إلي مطار العريش. وليس من مطار أو ميناء إسرائيلي. بمعني ان التدبير. وربما التنفيذ إسرائيلي بالثلث! تبقي الاسئلة: هل ما حدث رسالة تحذير إلي كل المتضامنين مع الشعب الفلسطيني؟ هل هو تأكيد علي ان الموساد أجادت اختراق المقاومة؟ هل هو محاولة لتشويه صورة الفلسطينيين امام الرأي العام العالمي. فهم يقتلون من يهبهم حياته تضامناً؟ هل عرف فيتوريو عن الكيان الصهيوني أكثر مما ينبغي؟ هل هي محاولة لتخويف حملات التضامن التي تأتي من مدن العالم؟ هل نسبة الاختطاف إلي الجماعة السلفية لتعميق الخوف من فزاعة القاعدة. .. وتبقي الأسئلة.