جذبتني بشدة قناة تلفزيونية سياحية تجوب العالم ببرامج شديدة التشويق استغرقت مني عدة ساعات يوم الجمعة الماضي.. نجحت في إبعادي عن تلك البرامج المملة التي اعتدنا أن نستسلم لها يوميا وكأنها فرض لابد من أدائه في مواعيد محددة!! هذه القناة الساخرة أخذتني معها إلي مالا يقل عن عشر دول في مختلف القارات.. فهذه فينيسيا في إيطاليا فمنازلها القديمة التي تعوم علي المياه الخلابة بينما السكان والزوار يتنقلون بالمراكب البسيطة في مشهد يسحر العقول.. وهذا ميناء جميل في بلجيكا في مدينة تقع علي أحد الانهار تعداد سكانها لم يصل إلي ألفي نسمة.. وتلك كمبوديا بطبيعتها الساحرة.. وهذه مقاطعة تايلاند في الهند بملابس سكانها المتفردة والمطاعم التي تقدم وجبات غربية وفنادق هنا وهناك تنقلك عبر الأماكن والتاريخ. أخذت البرامج تتوالي وانا مشدودة إليها من إسبانيا ومنتجعاتها التي لا يرتادها إلا أثرياء ومشاهير العالم إلي جزيرة مالطة بميادينها شديدة القدم والعراقة حيث الكنائس متجاورة بمعمارها الوقور وزخارفها المتميزة إلي مدن ومناطق في أعماق أفريقيا وآسيا. طبيعة أخاذة.. مشهد الخضرة المترامية والمتدرجة مع مياه البحار والانهار مع المنازل منخفضة الارتفاع شديدة الاتساق والتنسيق.. وطبيعيا النظافة الفائقة.. بينما زوار تلك المناطق يمضون أوقاتا سعيدة لا يؤذي مشاعرهم ولا عيونهم مشهد واحد نشاز!! انفصلت لساعات عن الواقع المؤلم الذي نعيشه في بلد المفروض أنه الأكثر عراقة والاكثر غني في الطبيعة والآثار.. لكنه الأقل والأقل جدا في معرفة قيمة ما لديه.. يكفي أكوام القمامة التي فشلت حكومات وحكومات في مجرد إحداث تحسن طفيف بها وأصبحت مشكلة يعايرنا بها العالم.. تكفي العشوائية في كل شيء والفيلات التي تهدم يوميا ليحل محلها عمارات قبيحة.. يكفي الباعة الجائلون الذين احتلوا كل الشوارع والأرصفة والميادين.. يكفي أننا اعتدنا القبح ولم يعد يهزنا لا مواطنين ولا مسئولين!! أفقت لأجدني أتمرد بشدة علي ذلك الواقع.. أريد أن أجد نفسي ولو علي بساط الريح لينقلني إلي بقعة من تلك البقاع الساحرة لأعيش فيها.. لكني عدت بسرعة إلي أرض الواقع بمجرد أن تذكرت وجه تلك السيدة الطيبة أم أشرف والتي تلقت صفعة قاسية من شاب في عمر أبنائها لمجرد أنها تعارضه وجماعته في الرأي. تذكرت حالة الرضا التي تعيشها تلك المصرية الأصيلة رغم أنها تعيش مع ابنها وابنتها وابن آخر متزوج في حجرة وصالة بشبرا الخيمة ولا تذوق اللحم إلا في العيد ومن أهل الخير وعندما تصوم تكافئ نفسها وأسرتها بوجبة من رجول وأجنحة الدواجن ولا تستطيع شراء البطاطس لأن سعرها وصل إلي سبعة جنيهات!! ظلت كلمات أم أشرف ترن في أذني وتأكدت أن الواقع المؤلم هو ما تعيشه تلك السيدة الراضية والتي يجب أن تكون هي وأمثالها الشغل الشاغل لمن يتحملون مسئولية هذا البلد.. لكن يبدو أنهم في واد آخر تماما.. أخشي أن يكون مثل الواقع الذي تنقله تلك القناة السياحية الساحرة.