منذ خمسة أعوام تقريباً دعيت من قبل هيئة المعونة الأمريكية للمشاركة في لجنة تضم عدداً من الأدباء والمفكرين وأساتذة الجامعات كانت الهيئة قد قررت إهداء مكتبات المدارس المصرية مجموعة من الكتب الجديدة لتكون متاحة للتلاميذ. تلقت الهيئة مئات العناوين من دور النشر منها ما هو مترجم ومنها ما هو عربي بالأساس. وكانت مهمة كل عضو في هذه اللجنة أن يقرأ مجموعة من الكتب ليري ما يصلح منها لتزويد المكتبات به. ويحدد الكتاب الذي يصلح مثلاً للمدارس الابتدائية. والكتاب الذي يصلح للمدارس الاعدادية أو الثانوية. المعايير التي وضعتها الهيئة للاسترشاد بها في تقرير الصلاحية الذي يكتبه كل عضو تضمنت ألا يكون في هذه الكتب ما يدعو إلي العنف أو يزدري الأديان أو يحرض علي الكراهية وألا يخالف قيم وتقاليد المجتمع. وأن تسهم في تطوير وعي وثقافة التلاميذ. وحتي تكون الأمور أكثر شفافية اشترطت الهيئة علي كل عضو ألا تكون له علاقة بدور النشر كأن يكون عاملاً بها أو متعاملاً معها. أو مستشاراً لها. وذلك حتي يكون موضوعياً في حكمه علي الكتب التي بين يديه. الترجمة و التطوير هكذا سارت الأمور. وأشهد أنني كنت منبهراً بالعديد من الكتب التي قرأتها وخاصة الكتب المترجمة إلي العربية والتي أسهم بعضها في تغيير مفاهيم كثيرة لدي. وقلت إن تلميذاً صغيراً يقرأ مثل هذه الكتب لا شك أنها ستسهم في تطوير وعيه وتحسين ذائقته وستفتح أمامه أفقاً جديداً ومختلفاً يجعل منه مواطناً صالحاً ومثقفاً ومستنيراً. عندما أنهت اللجنة مهمتها اجتمع بها بعض المسئولين في هيئة المعونة الأمريكية وطلبوا منا تقديم مقترحاتنا بشأن الكتب التي أجزناها. وقدم كل منا مقترحه. لكني لم اقترح سوي سؤال وهو: أتظنون أن هذه الكتب ستوضع فعلاً في المكتبات.. وحتي إذا وضعت هل ستكون متاحة للتلاميذ؟ جاءتني الإجابة بأن تخوفي في محله فكثير من أمناء المكتبات في المدارس لديهم مشكلة تتمثل في أنه مسموح لهم ب"هالك" سنوي في حدود 300 جنيه فقط لذلك يكتفون بعدد محدود من الكتب يكون متاحاً للقراءة وأن الهيئة تتفاوض مع وزير التربية والتعليم علي أن يرتفع سقف الهالك ليصبح ألف جنيه سنويا.. ولا أعرف هل نجحوا في تفاوضهم أم لا. حصة المكتبة الذي أعرفه من بناتي الأربع أن حصة المكتبة لا وجود لها أساساً.. هي مجرد حصص علي الورق.. وأن كشوف الاستعارة لا وجود لها وإذا وجدت فهي مفبركة.. أما الكتب المتاحة فهي نفسها المتاحة منذ التحقن بالمدرسة وحتي الآن.. لايزيد عددها علي عشرين كتاباً وغير مسموح بغيرها.. مما جعل الجميع يفر من هذا النشاط إلي نشاط آخر ليس أحسن حالاً منه علي أية حال. بالتأكيد لم أكتف بسؤال بناتي وسألت العديد من أبناء أقاربي وجيراني ما أخبار حصة المكتبة وتلقيت نفس الإجابة. خبراء التعليم في واد آخر ربما يظن وزير التربية والتعليم أو السادة الخبراء العاملون معه أن حديثي عن مكتبات المدارس هو حديث "الترف" ويقولون لأنفسهم مكتبات إيه وكلام فارغ إيه. المكتبات ليست كلاماً فارغاً بالتأكيد.. من خلالها تفتحت عيوننا علي القراءة وتزودنا بالمعارف التي لولاها ما نجونا من "أمية الجامعيين".. مكتبة المدرسة كانت نقطة الانطلاق لأي مثقف أو كاتب أو مفكر أو مواطن صالح.. وعندما أهملناها خرج تلاميذ المدارس يرفعون شعار رابعة ويتظاهرون ضد ما أخبروهم أنه انقلاب علي الشرعية.. هذه هي ثمرة غياب المكتبة التي لو كانت حاضرة لتطور وعيهم. وحتي إذا تظاهروا التزموا بالسلوك المتحضر وليس بالعنف والشتائم وإلقاء الحجارة وغيرها. وضع المكتبات في المدارس كارثي وأظن أنه سيبقي كذلك ما بقي علي رأس الوزارة مسئولون لا يدركون قيمة وأهمية القراءة بالنسبة لتلاميذ في هذه السن. غابت المكتبة وغابت الموسيقي وغاب الرسم وغاب كل شيء يجعل من المدرسة مصدر جذب للتلاميذ. وحضر فقط العنف والتطرف وسوء الأدب والأخلاق. معامل الكمبيوتر مغلقة هل توجد مدرسة في العالم تدرس مادة الكمبيوتر "نظري" دون أن يكون هناك كمبيوتر في كل فصل؟ أرجو ألا تأتي الإجابة بأن هناك كمبيوتر في كل فصل.. لأنها ستكون كذبة لا تليق بمربين فاضلين.. معامل الكمبيوتر مغلقة والأجهزة خربة.. وحتي الفصول الدراسية لم تعد سوي فرصة لتربيطات المدرسين علي الدروس الخصوصية.. لم يعد هناك علم أو ثقافة أو ترفيه في المدارس.. لماذا نكذب علي أنفسنا.. وإلي متي نصدق أن لدينا وزارة للتربية والتعليم وهي لا تعلم ولا تربي.. وليس في نيتها أن تفعل ذلك.