د. أحمد الدرش رئيس المجلس المصري للشئون الاقتصادية أحد أبرز خبراء الاقتصاد في مصر.. كان قد شغل منصب وزير التخطيط في الفترة من عام 1999 حتي عام 2002 وعمل أستاذاً للاقتصاد في عدد من جامعات العالم منها أمريكا والكويت.. وله العديد من المؤلفات والبحوث حول النظريات الاقتصادية والبنوك. التقينا به في حوار حول الأداء الاقتصادي للحكومة الحالية برئاسة د. حازم الببلاوي بعد مرور 100 يوم عليها وكيفية الخروج من المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي تواجهنا منذ اندلاع ثورة 25 يناير وامكانية التخلي عن المعونات والمساعدات الأجنبية التي تستخدمها الدول كورقة ضغط لإملاء شروطها علي مصر وغيرها من القضايا الاقتصادية. * في البداية سألناه: ما هي رؤيتكم وتقييمكم للسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة في ظل عجز الموازنة وارتفاع الدين العام؟ ** لا شك ان هناك محاولات جادة لإخراج الاقتصاد من الأزمات التي تحاصره لأننا نواجه عجزاً كبيراً في الموازنة العامة يقترب من 14% من الناتج المحلي الإجمالي وكذلك تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي وارتفاع معدلات التضخم ومعدلات نمو منخفضة. المشكلة الحقيقية ان العلاج يحتاج لبعض الوقت خاصة ان الحكومة الحالية تسلمت البلاد في حالة من الفوضي وعدم الاستقرار ومحملة بأعباء شتي وكانت الخطوة الأول هي إعادة الأمن والاستقرار والحرب علي الارهاب وقد حققت بالفعل نجاحاً في هذه المنظومة فهي أمر مهم وضروري لاستقدام الاستثمار. أما خطوات الإصلاح الاقتصادي. فلن نجني ثمارها سريعاً. لكنني اؤكد ان القرارات التي يتم اتخاذها سيكون لها مردود جيد مثل تخصيص مبلغ مليار وربع مليار جنيه لقطاع السياحة باعتباره من أهم القطاعات التي تجذب الموارد الأجنبية وكذلك 22.1 مليار جنيه لتنشيط الاقتصاد وإقامة مشروعات تحفيزية. الحكومة والمواطن * هل تري ان المجموعة الاقتصادية قادرة علي النجاح في عملها علي الرغم من عدم رضا المواطنين عن أدائها؟ ** هناك مؤشرات تشير إلي تحسن جيد في أداء هذه المجموعة مثل اختفاء الطوابير التي حدثت بسبب أزمات البنزين وانخفاض معدل انقطاع التيار الكهربائي بنسبة كبيرة. وبالتالي الأداء يسير بشكل جيد. لكن لابد من الصبر.. حقيقة معاناة المواطنين كبيرة وغياب العدالة الاجتماعية قضية خطيرة مع انتشار الفساد وغيره من الاشكاليات المعقدة مثل ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلي 3.5 مليون. لكنني أعرف 80% من المجموعة الاقتصادية في الحكومة الحالية وهم أكفاء ومخلصون في عملهم ولابد ان يمنحهم المواطن الفرصة حتي يلمس النتائج الإيجابية. وينبغي أن نعرف ان بعض الحكومات التي تلجأ للسياسة الانكماشية. أي تقليل الانفاق. في مثل هذه الظروف.. ولكن هذا لم يحدث لدينا لأن الحكومة أقرت خطة تحفيزية إضافية بقيمة 22.1 مليار جنيه. كما سبق وأن ذكرت. الأنظمة الاقتصادية * توجد حالة من الجدل حول النظام الاقتصادي الأفضل لمصر بين مطالبات بالاقتصاد الحر أو الاشتراكي.. ما رأيكم؟ ** الاقتصاد الحر المنضبط الذي يتضح فيه الدور القوي للدولة المتمثل في الرقابة والتنظيم وتشجيع المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة.. الاقتصاد الحر لا يعني الفوضي. ولكن يتقلص دور الحكومة كمنتج ويزداد كمنظم ومراقب.. وأذكر انني عندما كنت في زيارة لأمريكا أعلنت احدي شركات الحديد والصلب زيادة في أسعارها علي الفور أصدرت الحكومة قرارا يلزم الشركة بالتراجع عن الزيادة السعرية خوفاً من حدوث آثار تضخمية تضر بالاقتصاد القومي وبالفعل تراجعت الشركة. العدالة الاجتماعية * غياب العدالة الاجتماعية أمر غاية في الخطورة.. هل الحد الأدني للأجور خطوة علي طريق العدالة؟ ** الحد الأدني هو مجرد خطوة علي الطريق. ولكن لابد من إجراءات تستهدف الطبقات الدنيا في المجتمع لأنه علي الرغم من اننا حققنا معدلات نمو وصلت إلي 7.5% قبل الثورة. لكن معدلات التنمية لم تصل لهذه الطبقات لأن نظرية التساقط لم تتحقق وأعني بها انه كلما ارتفعت معدلات النمو فإن الفوائد تتسرب للطبقات الدنيا وهذا لم يحدث. وبالتالي ازداد الفقر والبطالة وحالياً معدلات النمو تصل إلي 2.1% وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالزيادة السكانية في مصر.. نعاني من سوء توزيع الدخل واتساع الفجوة بين الفئات. خاصة طبقة رجال الأعمال التي استأثرت بثمار التنمية خلال عهد مبارك. لذلك لابد من معالجة هذا الخلل ولابد أن يعمل رجال الأعمال الشرفاء الوطنيين علي ضخ المزيد من المشروعات لتوفير فرص عمل جديدة إلي جانب اهتمام الدولة بإتاحة فرص تعليم جيد ورعاية صحية أفضل وتوفير الخدمات التي يحتاجها المواطن حتي تتحقق العدالة الاجتماعية.. ولابد من انتهاج سياسة للإسراع بتحقيق معدلات نمو أكبر حتي تستفيد الفئات ذات الدخل المحدود. عجز الموازنة * الاتجاه نحو تخفيض سعر الفائدة إلي 11% هل سيكون لذلك مردود إيجابي؟ ** بلا شك خاصة فيما يتعلق بعجز الموازنة وتقليل خدمة الدين العام فقد كان متوسط الاقتراض في الفترة الأخيرة للحكومة أكثر من 14% وهو رقم كبير جداً يمثل عبئاً علي تكلفة تمويل الدين العام. ولا يمكن لأي حكومة في العالم أن تعمل وفق هذا الاتجاه فالسياسات المالية والنقدية لابد ان تتواءم وتتسق مع الأهداف الاقتصادية وهو بالفعل ما يحدث الآن لعلاج الخلل الذي نعاني منه لكني أؤكد انه لا يوجد علاج سحري أو لحظي لمشاكلنا الاقتصادية. لكن ينبغي أن تكون الاستراتيجية مبنية علي خطة قصيرة الأجل لكي نخرج من عنق الزجاجة.. منها خطوة تقليل سعر الفائدة وترشيد الدعم بواسطة اللجوء للكروت الذكية. ويكفي ان نعلم أن دعم الطاقة يستهلك أكثر من 130 مليار جنيه. وخدمة الدين العام تستنزف أكثر من ربع الإنفاق الحكومي. * ذكرتم اننا بحاجة إلي عقد اجتماعي جديد.. ما هي رؤيتكم لهذا العقد؟ ** بداية العقد الاجتماعي يحدد الأدوار المختلفة ويخلق شراكة قوية بين الدولة والمواطنين وأعني به تحقيق التخطيط بالمشاركة. وقد بدأت هذه السياسة أثناء عملي كوزير للتخطيط والتعاون الدولي. فكنت أعتمد علي إشراك رجال الأعمال والنقابات المهنية والنقابات العمالية والأكاديميين في تحديد ورسم الخطط التي ننتهجها. فلابد أن يكون لكل الفئات دور أساسي حتي تكون المساهمة والمشاركة ناجحة وفعالة لأن الحكومة إذا وضعت خطة متكاملة بدون أن توزع الأدوار ودون الاتفاق علي الأهداف والوسائل مع المجتمع المدني فلن تستطيع تحقيق النجاح. ومن المعروف ان أفضل الحكومات هي التي يكون تدخلها أقل لتساعد المواطن علي العمل وتقديم الرؤية والأفكار ويأتي دورها في التنظيم والرقابة حتي لا يترك الأمر ويتحول إلي فوضي وعشوائية.. ومطلوب ان نصل إلي حالة من التوافق المجتمعي علي الأهداف التي نريد تحقيقها وهذا لن يحدث إلا بعقد اجتماعي جديد تتم صياغته وفق الخطوات التي ذكرتها ويعاد فيه النظر بين دور الدولة والمجتمع المدني ومختلف طوائف المجتمع. فالكل شركاء في عملية التنمية. الديون الخارجية * من المعروف ان ديون مصر زادت في عهد الرئيس السابق محمد مرسي بما يقرب من 11 مليار دولار بعد أن كانت 34.4 مليار دولار ارتفعت إلي 45.4 مليار دولار .. فما هي الحلول للتعامل مع الديون الخارجية؟ ** من الممكن أن تدخل الحكومة في مفاوضات مع الدول الدائنة لعمل مبادلة للديون مثل ما حدث مع المانيا وايطاليا عام 99 و2001 حيث تم استبدال الديون بحساب الجنيه المصري في البنك المركزي وتم انفاق موارده علي مشروعات تنموية ومن الممكن أيضا مبادلة الدين بحساب تصديري عيني للصادرات غير التقليدية التي تدر علي مصر عائداً بالعملة الأجنبية.. ولابد من العمل علي تقليل عبء الدين عن طريق زيادة الانتاج..وعلي أي حال فإن سياسة الاقتراض ينبغي ألا تكون عبئا علي الدين الخارجي كما كان يحدث في عهد الرئيس مبارك الذي كان يخشي الاستدانة أو التوسع في سياسة الاقتراض من الخارج.. لذلك لابد من الاشتراط عند الاقتراض ألا يقل عنصر المنحة في الحزمة التمويلية عن 40% وتضخ الأموال في مشروعات ذات جدوي مؤكدة لكي تدر عوائد لزيادة الدخل. * هل تري أن المنح والمساعدات أصبحت ورقة الضغط التي تستثمرها الدول تجاه مصر؟ ** من السذاجة أن نقول ان المعونات الدولية ليس وراءها أغراض. لكن هذا لا يمنع من وجود مصالح متطابقة وغير متعارضة مع بعض الدول. وبالتالي أي شروط تتعارض مع سيادتنا وسياستنا لابد من عدم قبول المنحة المشروطة بهذا الأمر.. وأتذكر في سنوات نظام مبارك. وخلال فترة عملي بوزارة التخطيط والتعاون الدولي لم نقبل منحا أو مساعدات تتعارض مع سياستنا ولابد أن نضع برنامجا زمنيا للتحرك في هذا الملف دون ضرر يقع علي الاقتصاد. علي أي حال يجب أن يكون هدفنا في خططنا الاقتصادية الاستغناء عن المنح. فمن مصلحتنا أن نحقق برنامجنا الاقتصادي وأهدافنا بإرادتنا وأيدينا فقد حان الوقت للاعتماد علي أنفسنا. * ما رأيكم فيما صرح به وزير الخارجية نبيل فهمي بمطالبته الإدارات المعنية في الوزارة بمراجعة المساعدات الأجنبية واستخداماتها بعد اعلان مصر انها لن تقبل الضغط؟ ** بدون شك خطوة سليمة وصحيحة يجب أن نكون من الحكمة والرشد لدراسة المنافع والمضار وعلي ضوئها نتخذ القرار. كما لا يجب قبول أي شروط أو ضغوط تضر بنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. * هناك من يري ان أموال المساعدات لم يتم استخدامها بشكل جيد؟ ** في بعض الأحيان تقترح الدول المانحة الاستعانة بمعونات فنية مدفوعة في هيئة مستشارين من الخارج تتم الاستعانة بهم مثل المعونة الأمريكية وبالتالي يذهب جزء كبير من المنح لأجور هؤلاء المستشارين. لذلك اؤكد ضرورة أن تعمل الدولة المتلقية علي استخدام المعونة الفنية بأحسن شروط وبما يعود عليها بأكبر قدر من المنافع خاصة فيما يتعلق بنقل الخبرة والتكنولوجيا من الدول المانحة. * كيف ترون حزمة التحويلات الخليجية لمصر؟ ** بلاشك ساهمت إلي حد كبير في رفع المعاناة التي كان يشعر بها المواطنون بعد ثورة يناير فقد رفعت حجم الاحتياطي وخفضت الضغط علي النقد الأجنبي. فقد انخفض سعر صرف الدولار من 7 جنيهات إلي حوالي 6.8. مما ساعد في تقليل الفجوة في ميزان المدفوعات والميزان التجاري وكل هذه الخطوات تصب في مصلحة الاقتصاد. لابد من توجيه هذه الأموال في مشروعات متنوعة لزيادة الانتاج والصادرات لاسترداد ثقة المواطن في الدولة وفي تحقيق طفرات اقتصادية. اؤكد ضروة اعداد خريطة استثمارية للمشروعات المطلوب تنفيذها وفي مواقع محددة بعيدا عن العشوائية وبما لايهدد الموارد..لابد من حزمة مشروعات تحقق قيمة مضافة وتحسن من استغلال الموارد المتاحة. * هل نحن بحاجة إلي تشريعات اقتصادية في هذه المرحلة؟ ** معلوماتي ان المجموعة الاقتصادية عاكفة علي إعداد بعض التشريعات التي تساهم في تحفيز الاقتصاد وتنشيط الاستثمار ويحسب للمجموعة وجود خبرات قانونية فيها أرجو أن يكون الاهتمام بحل النزاعات القانونية الاقتصادية في أسرع وقت لأن نظام التقاضي الاقتصادي في مصر بطيء ويستمر لسنوات مما يساهم في هروب المستثمرين. * المطالبات التي تدعو في بعض الأحيان إلي إيقاف التعاون مع الدول التي لها موقف عدائي مع مصر كيف ترونها؟ ** الرشد هو العامل الحاكم في اتخاذ أي قرار. من هنا أري عدم التسرع في اتخاذ قرارات ومواقف غير مدروسة قد يترتب عليها تداعيات.. وتحضرني هنا مقولة تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق: "ليس لدينا أصدقاء أبديون ولا أعداء أبديون. ولكن عندنا مصالح أبدية".