شهد عام 2005 زيادة استثنائية في حجم الديون العامة المحلية فقد قفز من 434.8 مليار جنيه في نهاية يونية عام 2004 الي 510.8 مليار جنيه بنهاية يونية 2005 ورغم تلك الزيادة الكبيرة فلا يمكننا قصرها علي العام الماضي فقط لان الاعوام السابقة شهدت بدورها زيادات متراكمة ففي عام 1990 كان اجمالي الدين العام المحلي 97 مليار جنيه فقط. وبعيدا عن التصريحات "الوردية" التي تبشر بتراجع الدين المحلي كان ولابد من معرفة الاسباب الرئيسية وراء تلك الزيادات التي وصلت أعباء خدمتها في عام 2004 الي 42.2 مليار جنيه. عجز الموازنة بداية ،يرجع الدكتور بكري عطية استاد الاقتصاد بجامعة الازهر والعميد السابق للأكاديمية العربية للعلوم المصرفية التناقض الكبير في الدين العام المحلي المصري الي سبب رئيسي واحد وهو العجز المستمر في الموازنة العامة للدولة والذي يعود وفق رأي بكري الي الانفاق الباهظ من جانب الحكومة علي مشروعات غير مدروسة والتي عادة لا تحقق ارباحا تذكر. كما المح بكري الي ان السياسات الاقتصادية المحلية غير مقننة الامر الذي يتجلي في اصدار الحكومة لسندات واذون خزانة لتغطية العجز في الموازنة العامة وهو ما يعطل بدوره القوي الشرائية ويساهم في زيادة حجم الدين المحلي والعام ايضا. ويستطرد بكري ان توجيه السياسة المصرفية في مصر من قبل الحكومة احد اهم الاسباب التي يجب ان تأخذ من الاعتبار وتحديدا عمليات الاقراض والتي هي من اهم اولويات البنوك الامر الذي سيساهم في تقليل اعباء الانفاق الحكومي ويساعد علي تقليص الديون. ويتساءل استاذ الاقتصاد عن عوائد الخصخصة والي اين تذهب رغم توسع الحكومة في هذا البرنامج موضحا ان الحكومة يجب ان تضع استراتيجية متكاملة لتوفيق الاوضاع فيما بين عمليات التمويل والاقراض وكذلك استغلال العوائد من اجل تخفيض العجز في الموازنة العامة دون السماح بزيادة الديون سواء المحلية او الخارجية. ويتوقع الدكتور بكري عطية زيادة حجم الدين في مصر خلال العام المقبل خاصة اذا لم يتم تقليص عمليات الانفاق الحكومي وكذلك عمليات الاستثمار غير المدروس. خدمة الديون أما الدكتور محمد عبدالحليم عمر استاذ الاقتصاد الاسلامي بجامعة الازهر فيقول: ان الدين العام المحلي قد تراكم منذ بدء تطبيق سياسة الاصلاح الاقتصادي التي احدثت ارتباكا في الاقتصاد القومي في اطار تحرير سعر الصرف والفائدة وتخفيض سعر الجنيه انذاك وكان وقتها رفع سعر الفائدة هو السبيل الوحيد للدفاع عن قيمة الجنيه وهذا ما ادي التي تراكم الدين العام المحلي حتي الان. وعن الزيادة الاخيرة في حجم الدين العام المحلي والتي نقصرها علي عام 2005 فيقول عبدالحليم عمر: ان الحكومة لجأت الي الاقتراض لسداد القروض وخدمة الديون وذلك من خلال اصدار السندات الدولارية والتي بلغت نحو 1500 مليون دولار لمدة 10 سنوات بسعر فائدة 8.75% فضلا عن اصدارها ايضا لسندات قيمتها 500 مليون دولار بفائدة 6.7% لمدة 5 سنوات متساءلا عن التكلفة المالية لهذه القروض والتي تصب في النهاية في الموازنة كأحد بنود الانفاق بعد ان اصبح عجز الموازنة 76 مليار جنيه ليتخطي بذلك الدين المحلي الحدود الامنة. ويضيف عبدالحليم عمر ان الاقتراض ينطوي علي خسارة مالية مباشرة بموجب الفرق بين سعر الفائدة المدفوع عليها والعائد المتحصل من استثمارها في اذون الخزانة والذي يترجم في زيادة في عجز الموازنة وزيادة في الدين ايضا موضحا ان هذه السندات لا تقبل السداد المعجل لان شروطها انه لا يمكن استردادها قبل حلول اجلها. الحدود الآمنة وعلي الجانب الاخر فان امنية غانم "مستشار وزير المالية" تؤكد ان معدلات نمو الدين العام والدين المحلي للحكومة في الحدود الامنة مادامت اقل من معدلات نمو الاقتصاد .. وذلك لان معدلات نمو الاقتصاد الحقيقي قد بلغت 5% في حين ان معدل نمو الدين الحقيقي اقل من 2% ولهذا فان اي زيادة في معدلات الدين مادامت اقل من معدلات نمو الاقتصاد فنحن في وضع مطمئن. حتي ان احدي المؤسسات العالمية في تقييمها السياسي لمصر وهي مؤسسة "فيتش" في تقريرها العام الماضي عن الاقتصاد المصري قالت انه بالرغم من ارتفاع قيمة الدين المحلي فإن ديناميكية الاقتصاد المصري تجعله في حدود امنة بمعني انه مادامت معدلات نمو الاقتصاد اسرع من معدلات نمو الدين فنحن في وضع مطمئن وهذا بالاضافة الي ان الدين المحلي لا يمثل خطورة مثل الدين الخارجي وذلك لانه بالعملة المحلية اما الدين الخارجي فيكون بعملة غير العملة المصرية ومن ثم فان انخفاض العملة المصرية يؤدي الي تزايد معدلات الدين اما بالنسبة للدين المحلي فالوضع مختلف ولذلك فهو لا يمثل اي خطورة.