الشرق أوسطية.. تعبير جديد. ظهر في حياتنا منذ أعوم قليلة. لكنه - بإصرار الإعلام الصهيوني ولامبالاتنا - أصبح متداولاً. فلا تستوقفنا خطورته. إسرائيل هي صاحبة التعبير. حتي لا تظل جسماً غريباً في المنطقة العربية. ولغياب الفعل العربي. أو رد الفعل العربي. فقد تسللت إلي حياتنا تعبيرات أخري تدور حول المعني نفسه. لعل أخطرها ثقافة حوض البحر المتوسط.. فهي تجعل من الدول التي تطل علي البحر المتوسط إقليماً يضم إسرائيل. ويفرض عزلة بين دول البحر المتوسط العربية وغيرها من دول المنطقة العربية. ثمة مؤتمرات دعت إليها منظمات دولية تحت اسم ثقافة البحر المتوسط. وثمة مهرجانات شبابية ونسوية تحت الاسم نفسه. حتي الرقص الشعبي العربي نسبه الإعلام الصهيوني إلي ثقافة البحر المتوسط. محاولة سافرة لطمس الهوية العربية. لإلغاء تاريخها وموروثها وإدماجه في هوية مصنوعة. جعلت من الدين إطاراً لها. أما الصورة فهي خليط من حضارات وثقافات ولغات متباينة. المنطقة التي زرع فيها الاستعمار دولة إسرائيل. اسمها المنطقة العربية. واسمها المشرق العربي. وهي بعض أقاليم الوطن العربي. وإذا كنا قد قبلنا بتسمية الشرق الأوسط لأن تركيا وإيران تنتميان إلي المنطقة. فإن كل الخطر في قبول تسمية ثقافة البحر المتوسط. لأنها تستهدف الثقافة التي تعني الحضارة والتاريخ والفكر والإبداع. الدعوة إلي الشرق أوسطية. بل الدعوة إلي الكوكبية. والعالمية وغيرها من المسميات التي تطالعنا هذه الأيام. وتتحدث عن العالم باعتباره قرية واحدة. إنما هي محاولات لتقويض الخصوصية والهوية. فالصلة تغيب بين الحاضر وبين الماضي والتراث. وصورة المستقبل تبدو ضبابية. بل غائبة كذلك. قادة إسرائيل يدركون جيداً أنه من الصعب علي دولتهم أن تؤدي دوراً قيادياً في المنطقة. لأسباب يحددها عاطف الغمري في: غياب الأساس الحضاري. والثقل الإقليمي. والرؤية السياسية. والفلسفة التي تجعلها كياناً ذائباً في الإطار الأوسع لمفهوم المنطقة. تسقط من حوله جميع فواصل وحدود الذاتية التي تعتبر من خصائص الدولة الإسرائيلية في كثير من الأمور. فضلاً عن أن إسرائيل - ككيان إقليمي - ليست كاملة الاستقلال. خاصة فيما يتعلق بالكيان الاقتصادي والإنتاجي. الذي مازال. وسيظل. يستمد الجانب الأعظم من قدرته علي التشغيل من الخارج. والذي تمثله الولاياتالمتحدة بقوة بالغة. الامبراطورية الشرق أوسطية التي تحلم إسرائيل بإنشائها. تستهدف تحويل إسرائيل إلي دولة زعيمة. قائدة. مسيطرة ومهيمنة. تقوم علي أساس الفرض الذي يؤكد الهوية. ويلغي هويات الآخرين. قدر مصر - لعوامل تاريخية وجغرافية - أن تكون زعيمة الوطن العربي. لكننا نرفض المسميات المستحدثة التي يريدون أن يفرضوها علي منطقتنا العربية. نرفض "الشرق أوسطية" و"إسرائيل وجيرانها العرب" وغيرها. استنمنا إلي الرأي بأن العالم لا يعرف إلا منطق القوة. وحسبنا أنفسنا من غير الأقوياء. مع أننا نملك قوي بشرية واقتصادية. لو أحسنا استغلالها لتغيرت أوضاع كثيرة.. فهل نستنيم كذلك إلي محاولات طمس الزمان العربي والمكان العربي. وجعل ثقافتنا العربية تابعة لثقافة بلا جذور؟!