"وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار" صدق الله العظيم. تبدأ "المساء" نشر القصص البطولية لقواتنا المسلحة من سلسلة معارك وبطولات إهداء من القوات المسلحة وتخليدا لذكري القائد وبطل الحرب والسلام الرئيس محمد أنور السادات افتتاحية القصة بدأت بكلمة الحق الصادرة للقوات المسلحة المصرية لتبرئها مما نسب إليها في كونها أحد أسباب هزيمة 1967 وهو ما نفاه الرئيس محمد أنور السادات حيث قال "بسم الله.. أحمد الله أن سجل القوات كان باهرا ولكن أعداءنا الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية ركزوا ضد هذا السجل تركيزا مخيفا لأنهم أرادوا أن تتشكك الأمة في درعها وفي سيفها ولم يكن يخالجني شك في أن هذه القوات المسلحة كانت من ضحايا نكسة 1967 ولم تكن أبدًا من أسبابها. ان هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعا عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه ولم يهزمها عدوها ولكن قهرتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل. ان القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة علي أي مقياس عسكري ان هذا الوطن يستطيع أن يطمئن بعد خوف انه قد أصبح له درع وسيف بقاعة مجلس الشعب في 20 رمضان الموافق 16 أكتوبر .1973 نقدم اليوم حلقة جديدة من معارك وبطولات لقواتنا الباسلة وبطولتنا تتحدث عن معركة "كبريت". ظن العدو الإسرائيلي في نشوة انتصاره الخاطف السريع والسهل الذي أحرزه في حرب يونيو 1967 انه قضي علي آمال الأمة العربية تماما وانه لن يكون لمصر جيش بعد ذلك وبدأ يطلق أبواق دعايته المسمومة لبث روح اليأس والرعب في النفوس. لكن جاءت حرب رمضان المجيدة التي غيرت مفاهيم وعقائد ونظريات إسرائيل وأثبتت للعالم أجمع كذب دعاياتها المسمومة ضد المقاتل المصري وحطمت خزانة الجيش الذي لا يقهر وكشفت عن حقيقة المقاتل الإسرائيلي التي برهنت علي النقيض من دعاياتهم وأصبح واضحا للجميع ان الجندي المصري قد أثبت ذاته وقدراته ووجوده وتفوقه فاسترد شرفه واعتباره العسكري. لقد جاءت معركة "كبريت" التي نحن بصدد الحديث عنها خير دليل علي هذا.. فالموقع الذي أحكم العدو حصاره حوله من جميع الجهات ومارس مع رجالنا شتي ألوان الضغط أملا في استرداد الموقع لكنه لم ينجح.. وكان الفشل الذريع من نصيب قواته. هذا ما يؤكد كيف تقاتل قواته فعندما قامت قواتنا بمحاصرة إحدي نقاطه القوية في بورتوفيق وعندما شعرت قوات العدو بالحصار سارعوا بالاستنجاد بالصليب الأحمر طلبا للتسليم دون قتال هكذا ظهرت قدرات رجال قواتنا المسلحة المؤمنين الصامدين فهم خير أجناد الأرض وصدق قول الله فيهم "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" صدق الله العظيم. الدفاع المتحرك اعتمد العدو الإسرائيلي في تنظيم دفاعاته عن سيناء علي أسلوب الدفاع المتحرك علي النحو التالي.. فقام بتوزيع قوات من المشاة والدبابات في النقط القوية بفرض التأمين والحراسة والإنذار للقوات الرئيسية والقيام بأعمال تعطيلية للقوات المهاجمة وتكبيدها خسائر ممكنة خلال مرحلة العبور. قام العدو بالاحتفاظ بقوات احتياطية من المشاة والدبابات علي مسافة تتراوح بين 3 إلي 5 كم وتسمي احتياطيات قريبة ومحلية بالإضافة إلي وجود احتياطيات تكتيكية علي مسافة حوالي 10 كم تقوم بالاندفاع للقضاء علي أي قوات تنجح في العبور علاوة علي توفير احتياطات تعبوية في العمق. كما أقام العدو العديد من شبكات المواصلات الخطية واللاسلكية المناسبة علي جميع المستويات للربط بين جميع القيادات والقوات طبقا لتمركزها وذلك لسرعة تنفيذ الأوامر الصادرة وإبلاغ المعلومات أولا بأول. خط بارليف المنيع قام العدو بإنشاء خط بارليف علي طول المواجهة المصرية بمجازاة القناة علي الشاطئ الشرقي لها حيث يتكون الخط من 22 موقعا اشتملت علي "31" نقطة قوية بعمق يصل إلي 300 متر وقد تم اختيار أماكنهم بدقة بحيث تسيطر علي المحاور الرئيسية المؤدية إلي عمق سيناء وعلي الأماكن المسيطرة علي القناة. تم بناء تلك النقط علي أحدث ما توصل إليه العلم العسكري من فن التجهيزات الهندسية وشملت أبراجا ومزاغل بالإضافة إلي تدعيم بعض المواقع بخزانات للمواد الحغارقة يتم ضخها علي سطح القناة فتحيل سطحها إلي شعلة من النيران الهائلة وبذلك تحدث أكبر خسائر في القوات المهاجمة. كما قام العدو بتزويد هذه النقاط بأجهزة الاستطباع الحديثة والأجهزة الالكترونية للرؤية الليلية وأجهزة إدارة نيران المدفعية وتوجيه الطيران كما وفر للنقط أنسب الأسلحة الحديثة مستغلا في ذلك طبيعة كل موقع. كما أحاط كل موقع بالأسلاك والموانع والألغام من أجل عرقلة أي تقدم لقواتنا حتي لا تنجح في العبور ولا تحاول مهاجمة الموقع. هذا علاوة علي التجهيزات الهندسية الضخمة وتسليم هذه النقاط فلقد كانت العناية والنواحي الإدارية علي نفس القدر من الاهتمام فكان خط المياه يمتد إلي داخل كل موقع علاوة علي تكديس إداري يحقق الاكتفاء الذاتي لمدة شهر. أصعب مانع مائي بالإضافة إلي الإعداد الضخم والتجهيزات الهندسية الهائلة فلقد ارتكز خط بارليف علي قناة السويس كمانع مائي قوي والذي يعتبر من أصعب الموانع المائية التي لم يسبق اجتياز مثيلها في أي جيش في العالم وتم اجتيازها لعدة أسباب. كان بناء جوانب القناة بالأحجار والأسمنت ورقائق الصلب وانخفاض سطح المياه عن حافة الشاطئ بحوالي 2 متر الأثر الواضح في عدم سهولة اجتيازها عند العبور مما يستلزم من القوات المهاجمة القيام بتجهيزات هندسية خاصة. يبلغ طول القناة 175 كم ما بين بورفؤاد شمالا حتي بورتوفيق جنوبا ويبلغ غرضها ما بين 180 220 مترا كما يتراوح عمق القناة ما بين 16 18 مترا. أيضا كان لظاهرة المد والجزر في القناة والتي تصل من 60 سم إلي مترين أن يتم وضع ذلك في الاعتبار عند التخطيط للعبور وإقامة المعابر لما كان التيار في القناة يصل سرعته حتي 90 مترا في الدقيقة وبتغيير في شدته واتجاهه كل ست ساعات تقريبا لذا كان يتم مراعاة ذلك عند الإعداد للعبور. الساتر الترابي قام العدو باستغلال نتائج حفر القناة علي الشاطئ الشرقي بتعلية السائر حتي وصل ارتفاعه علي طول القناة ما بين 20 25 مترا بزاوية ميل حادة تصل إلي 45 درجة فأخفي بذلك كل تحركاته وحرم قواتنا من استطلاع قواته استطلاعا دقيقا هذا بالإضافة إلي وضع المزيد من المشاكل والصعوبات التي يمكن أن تواجه قواتنا عند العبور لتعطيل وصول المعديات الثقيلة من الدبابات المدفعية والعناصر الإدارية. أهمية نقطة "كبريت" تعتبر هذه النقطة من أكثر النقاط القوية للعدو ولأهميتها وضع العدو نظاما للدفاع عنها.. فالنقطة تقع علي الشاطئ الشرقي للبحيرات المرة الكبري والتي تشرف علي أنسب أماكن العبور لقواتنا في هذا القطاع. أيضا تسيطر وتشرف علي العديد من الطرق والمحاور والمدقات شرق القناة وأهمها محاور طريق الطاسة بجانب سيطرتها علي قطاع كبير في غرب القناة حيث تسيطر علي لسان كبريت ومطارها والتي تمكن العدو من استغلالها من هذا الجانب. تقع النقطة في الفاصل بين الجيشين الثاني والثالث الميداني مما يوضح خطورة موقعها والتي يمكن استغلال العدو من هذا الجانب أيضا. هذا بجانب وجود نقطة مراقبة دولية بالقرب من المواقع وعلي مسافة "400" متر تمكن العدو من الحصول علي المعلومات. طبيعة الأرض تقع النقطة علي الجانب الشرقي من القناة في أضيق قطاع بين البحيرات المرة وتحيط بها أرض رملية يتخللها بعض الهضاب المرتفعة كما تم إعدادها هندسيا لتصبح مرتفعة عما حولها مما يوفر لها السيطرة علي القطاع بالكامل. ما يوجد طريق شمال النقطة يصل إلي طرق الطاسة بجانب طريق علي الشاطئ الغربي للقناة طريق المعاهدة هذا علاوة علي توفير المدقات الطولية والعرضية. بجانب سواتر ترابية عديدة قام العدو بإنشاء مصاطب للدبابات فوقها بجانب خط سكة حديد معطل يمتد من الشمال إلي الجنوب شرق النقطة وكان مخربا في معظمه فقام العدو باستقلال الفلنكات وقطع القضيان الحديدية في ضد اعداد تحصينات للموقع. التجهيزات الهندسية والإدارية أقام العدو في هذه النقطة علي مساحة ما يقرب من 6 كم مربع واشتملت علي "10 ملاجئ ثقيلة" و"10" حفرة رشاش متوسط و7 حفر وباب و7 رصاصات دبابة في شمال النقطة القوية. هذا علاوة علي وجود نطاقات من الأسلاك الشائكة والألغام المضادة للدبابات والأفراد تصل في عمقها إلي حوالي 1 كم بالإضافة إلي وجود حقل ألغام علي الضفة الشرقية للبحيرة. قام العدو بإنشاء العديد من نقط الملاحظة وأبراج المراقبة علي أجناب الموقع وقد تم تجهيزها بما يكفل راحة المراقبين وسرعة إبلاغ المعلومات من خلال توفير خط تليفوني بجانب وجود ميجافون في النقطة القوية كوسيلة للإنذار بالإضافة إلي استخدام وسائل رؤية حديثة متطورة ذات قوة تكبير علاوة علي وجود غرفة عمليات تحتوي علي محطات لاسلكية وتحاويلات خطية وماكينات شحن بالإضافة إلي تجهيزها بوثائق العمليات اللازمة. كما يتوافر داخل النقطة إمكانية الاكتفاء الذاتي لمدة أكثر من شهر مع توفير كافة الاحتياجات الإدارية والطبية مثل ماكينة إنارة ماسورة مياه تصل إلي داخل النقطة غرفة عمليات جراحية كاملة التجهيز كميات من الأدوية والمهمات والمعدات الطبية. قوات العدو وضع العدو داخل النقطة قوات بقوة فصيلة مشاة ميكانيكي + فصيلة دبابات + 6 قطعة هاون 81 مم واحتياطي محلي يتكون من 2 فصيلة دبابات ويتمركز علي مسافة 1 كم جنوب شرق نقطة كبريت. واحتياطي تكتيكي من سرية مشاة ميكانيكي + سرية دبابات عدا فصيله ويتمركز في منطقة شرق المانع المائي بحوالي 18 كم. نظرا لأهمية النقطة في سيطرتها علي أنسب أماكن العبور في هذا القطاع اعتمد العدو علي خطة نيران منسقة ومحكمة بحيث تعطلت قطاعا كبيرا من سطح "البحيرات المرة" من أجل إحباط أي محاولة لعبور وهجوم قواتنا لهذا القطاع. هذا بجانب سيطرة العدو علي المحاور والطرق في شرق القناة وتأمين المحور الرئيسي وهو طريق الجدي لتدفع احتياطياته التكتيكية. وصف الملاجئ والدشم كانت الملاجئ التي أقامها العدو عبارة عن ملاجئ حديد مكساة بخرسانة مسلحة وتعلوها عدة طبقات من قضبان السكك الحديدية بالتبادل مع فلنكات خشبية وشكاير رمل تم طبقات من الحجارة الجيرية والصحراوية متخذة شكلا هرميا داخل شبكة من سلك الأرانب القوي وضعت ضمن التكسية. كل ذلك بغرض امتصاص الموجات الانفجارية لجميع أنواع القنال حتي فرقة ألف رجل. أما دسم النيران فكانت بالخرسانة المسلحة بسمك يصل حتي 50 سم كما يتواجد بها عدة مزاغل تسمح لقوات العدو بتغطية جميع الاتجاهات بنيران متشابكة وتحقق التعاون بين الدشم بعضها مع البعض. إلي هنا نقف عند هذا الحد في معركة كبيرتين إلي الحلقة الثانية تتناول فيها قواتنا وسير المعركة وخسائر العدو والدروس المستفادة من هذه المعركة التي تدرس في الأكاديميات العسكرية العالمية.