كشف التقرير الأخير للتعبئة العامة والإحصاء عن ظاهرة خطيرة.. حيث رصد إنفاق ما يزيد علي 10 مليارات دولار سنوياً لاستيراد سلع استفزازية كمالية مثل الخس الكوري والطاووس الإيراني والبطيخ البرازيلي وورق العنب السويسري ولعب الأطفال الصينية والعديد من السلع الترفيهية. لتظل هذه السلع تتحدي الجميع!! الخبراء والمتخصصون وصفوا هذا السلوك بالسفه الاستهلاكي الذي يساعد علي انتشاره بعض المستوردين الذين لا يراعون الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. مطالبين بعلاج سلوكي واجتماعي لهذه الظاهرة الخطيرة. حذروا من أن أسلوب المنع والخطر لن يفيد وأن تدخل الدولة لن يؤتي ثماره. حيث ان هذا مخالف لآليات السوق الحرة والقوانين المنظمة لاتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تنادي بحرية تداول السلع. قالوا إن الحل في زيادة المنتج الوطني في مختلف السلع والعمل علي إحداث التوازن المطلوب بين الصادرات والواردات. حيث ساعتها لن يكون من الصعب تلبية احتياجات بعض المستهلكين. * عصمت دربالة -أمين عام شعبة المستوردين- يحذر من اللجوء إلي سياسة المنع والحظر لاستيراد مثل هذه النوعية من السلع.. حيث اننا نعيش في سوق حرة وقوانين منظمة التجارة العالمية تمنع هذا الأمر. ولا تسمح في نفس الوقت بزيادة الضرائب علي سلع ما بشكل مبالغ فيه. ولكن تضع ضوابط لهذا الأمر يجب الالتزام بها لأننا لا نعمل بمعزل عن الآخرين. أضاف أن منع استيراد بعض السلع مرتبط بحالتين لا ثالث لهما.. الأولي أن تسبب ضرراً لصناعة وطنية ما وفي هذه الحالة من حق الدولة أن تتخذ من الاجراءات ما يكفل لها الحفاظ علي صناعتها. والثانية أن يكون هناك إغراق متعمد يتم اثباته من خلال آليات معنية. أوضح أن المواجهة لهذه الظاهرة تبدأ من المستوردين أنفسهم الذين يجب أن يكون لديهم حس وطني ويراعون الظروف التي نمر بها. ولا يقبلون علي استيراد مثل هذه النوعيات من السع. ووقتها لن يجدها المستهلك في الأسواق ومن ثم يبدأ في الإقبال عليها يتناقض لعدم توافرها بسهولة. وبمرور الوقت سوف تختفي وتبقي المنتجات الوطنية أو حتي المستوردة الضرورية. عدّد الكثير من السلع التي يمكن الاستغناء عنها مثل طعام القطط والكلاب واللعب الصينية التي أصبحت تحاصرنا رغم سوء مستواها. ورغم ذلك تكبدنا مليارات الدولارات. * د.علي عبدالرحمن -أستاذ الاقتصاد بجامعة قناة السويس- يصف ما يحدث بأنه نوع من السفه الاستهلاكي دون داع. خاصة في ظل ظروفنا الاقتصادية الصعبة التي يجب أن توجه فيها كل الطاقات من أجل توفير الاحتياجات الأساسية لجموع الشعب بدلاً من إهدار جزء كبير من الموارد يتجاوز ال 10 مليارات دولار سنوياً في هذه الكماليات شديدة الترف. أضاف أن الأمر تجاوز كل الحدود.. فقد وصلنا إلي مرحلة استيراد بعض أنواع الخبز والزبادي والكعك والجاتوه رغم وجود هذه المنتجات لدينا. ولكن للأسف يوجد طلب عليها من بعض الطبقات التي آثرت ثراء فاحشاً من خلال الاحتكار والسيطرة والتحكم في مسار الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة. أوضح أن العلاج لا يجب أن يعتمد علي المنع والحظر لأن الراغبين في استيراد هذه النوعية من السلع لن يعدموا الوسيلة لإدخالها والحصول عليها. ولكن نحتاج إلي علاج سلوكي واجتماعي حتي تعلم الفئة المستخدمة لهذه السلع مدي الضرر الذي يلحق باقتصادنا بسبب زيادة استيراد هذه السلع.. حيث نتكبد المزيد من النقد الأجنبي الذي نجد صعوبة شديدة في توفيره بدليل الارتفاع الشديد في سعر الدولار وباقي العملات الأجنبية مؤخراً. ويجب أن تتخلي هذه الفئة علي الفهم الذي لديها لاستخدام التكنولوجيا الحديثة. فليس معقولاً أن نستورد تليفونات محمولة بما يزيد علي مليار جنيه رغم أن الدول المنتجة لهذه التكنولوجيا رغم ارتفاع مستوي المعيشة لديها لا تستخدمها ولكن تصدرها لدول العالم الثالث. * د.يمن الحماقي -أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس- تري أن أسلوب المنع والحظر هو أسلوب الدولة الضعيفة. ولكن الدولة القوية هي التي تشجع المستثمرين ونستغل الطاقات الاستثمارية المتاحة لتوفير احتياجات المواطن الحقيقية مع السماح بدخول السلع التي تريدها بعض الفئات في حدود معينة مع رفع الجمارك عليها قدر الامكان. ولكن عدم منعها تماماً لأن ذلك محظور عالمياً. أضافت أن القضية الأساسية التي يجب أن تشغلنا الآن هي أن لدينا قطاعاً صناعياً يعتمد علي الخارج في استيراد 40% من السلع الوسيطة والمغذية لصناعته في الوقت الذي يمكن أن نتغلب فيه علي ذلك من خلال الصناعات الصغيرة وتشجيعها من خلال اجراءات حقيقية وليس مجرد تصريحات وأحاديث صحفية. أوضحت أن هناك نماذج كثيرة يمكن تطبيقها لمنع استيراد العديد من السلع مثل شنط المدارس والاكسسوارات ولعب الأطفال من خلال اقامة ما يعرف بنظام الحضانات من خلال تحسين قدرات المصنعين ورفع ميزاتهم التنافسية. أشارت إلي أن ارتفاع وارادتنا لا يجب أن يخفينا ولكن بشرط أن يقابل ذلك ارتفاع أيضا في الصادرات. بحيث يكون هناك توازن وأن يتم إصلاح هيكل الواردات بتعميق التصنيع المحلي من خلال خطة حوافز محددة والتحديد الدقيق للأولويات التي نحتاجها. فبدون ذلك سندخل في مرحلة العشوائية. * محمد المصري -رئيس اتحاد الغرف التجارية سابقاً- يعترض بداية علي إطلاق لفظ الاستفزازية علي سلعة مستوردة لأنها في النهاية تهم شريحة من المستهلكين حتي لو كانت أعدادها ضئيلة. أضاف أننا نعيش في عصر الحرية الاقتصادية بمعني أن تكون جميع السلع متوفرة بالأسواق بشرط الجودة والسعر مع ملاحظة أن سعر السلعة المستوردة قد يزيد قليلاً علي مثيلتها المحلية. وفي النهاية المستهلك هو الذي يختار السلعة التي تناسبه. أكد أن أسلوب المنع سياسة خاطئة تضر أكثر مما تفيد في ظل عصر العرض والطلب والقوانين والاتفاقيات التجارية الدولية التي تحكم الأمور. أوضح أن الاستيراد ليس عشوائياً ولكن يخضع لدراسات وسياسات يأتي علي رأسها حاجة السوق الفعلية. * خالد أبوإسماعيل -رئيس اتحاد الغرف التجارية سابقاً- أكد أن تكلفة استيراد السلع التي يطلق عليها الاستفزازية كان قد وصل إلي 30 مليار دولار في عصر النظام السابق ويرجع هذا الانخفاض إلي أن جزءاً كبيراَ من الذين كانوا يقبلون علي هذه السلع. أما ترك البلاد أو تراجع بعض الشيء عن الاستهلاك. أضاف أن طلب البعض وضع قيود علي استيراد ما يسمي بالسلع الاستفزازية بحجة ما تعيشه من معاناة اقتصادية وتراجع حجم الاحتياطي النقدي وارتفاع سعر العملة طلب اعتبره تدخلاً "غبياً" علي الاقتصاد ويهز السوق ويفقد العالم الثقة فيه. كما أنه في ظل أي أزمات يجب أن يدرس أي قرار جيداً. لأننا لا يمكن أن نتوقع رد الفعل علي هذا القرار. ومن ثم ليس أمامنا إلا الدراسة الجيدة. خاصة أن أي مجال يمكن اتخاذ قرارات والعودة عنها إلا الاقتصاد لا يجدي فيه هذه التصرفات لأنها مرتبطة بالعالم. * د.محمد موسي -رئيس قسم الاقتصاد بتجارة الأزهر- يقول: التدخل الحكومي في مثل هذه الظواهر التي قد يري البعض أنها غير مناسبة في ظل ظروفنا الحالية يكون من خلال أمرين.. الضرائب والجمارك الذي يرسم السياسات المالية والنقدية وزارة المالية والبنك المركزي. وأعتقد أن أي قرارات يمكن أن تتخذ في الوقت الحالي الذي نشهد فيه ارتباكاً علي المستوي السياسي والاقتصادي لا يمكن تطبيقها. أصاف: يجب أن نضع نصب أعيننا فرضية مهمة وهي عدم حرمان أي مستهلك من سلعة بغض النظر عن نوعية السلعة سواء غذائية أو صناعية فما يهم شخص قد لا يهم الآخر. ولكن في النهاية نحن أمام شريحة وكتلة شرائية يجب توفير احتياجاتها. أوضح أن الحكومات المتتالية في مصر في السنوات السابقة لم تكن لديها خطط واضحة لزيادة الانتاج والارتقاء بالمنتج وتوفير جميع الأنواع. وبالتالي يلجأ البعض إلي الاستيراد في الوقت الذي يجب أن يكون هدفنا هو توفير احتياجات السوق المحلية. بل وزيادة صادراتنا إلي الأسواق الخارجية. أضاف أن حتي المجتمعات الاشتراكية لا تستطيع الحد من الاستيراد ولكنها تواجه الأمر بزيادة الانتاج المحلي وتنوعه لتلبية جميع الرغبات.