طالعت اسم قاضي البهار لأول مرة في أوراق أبي.. عرفت أنه جد قديم لعائلتنا. وترك وقفاً يحصل الورثة منه علي مبالغ صغيرة قبل أن يحل نهائياً. وتتحول المبالغ الصغيرة إلي ما يحقق الثراء لكل أبناء العائلة. حدثني أبي عن ذلك الجد قاضي البهار الذي قدم من المغرب. فاختير قاضياً للبهار. مثلما اختير ابن خلدون قاضياً. واختير علماء آخرون لمهن مختلفة. تنتسب إلي زمانها. وإن كان أولياء الله وأقطاب الطرق الصوفية هم الأعمق تأثراً حتي الآن في البلاد المصرية. شغلتني التسمية عما عداها. كأنها تنتسب إلي عوالم ألف ليلة وليلة. وحكايات التراث العربي. وجعلت الاسم بالفعل فيما بعد عنواناً روائياً. وتحول انشغالي في أثناء ذلك إلي محاولة قراءة تاريخ علماء المغرب في مدن مصر: متي قدموا؟ وكيف؟ ولماذا اختاروا الإقامة في هذه المدينة. أو تلك؟ وهل كانوا جميعاً من المتصوفة. أو أنهم وجدوا في الحقبة المصرية ما يغريهم بالبقاء؟ وأذكر أني تناولت في كتابي "حكايات عن جزيرة فاروس" تاريخ العلاقات المغربية المصرية. من خلال هجرات العلماء المغاربة إلي بلادنا *** إذا كان لبحري موقعه المتميز. فهو يتصل بالبحر من جهات ثلاث. شبه جزيرة في شبه جزيرة الاسكندرية. فإن الروحانية سمة مهمة في فضاء الحي. عشرات الجوامع والأضرحة والمقامات والمزارات التي لا تطالعك. ربما في المساحة نفسها في موضع آخر. أفسر الأمر بأنه يعود إلي فترة ازدهار دولة الأندلس الإسلامية. عشرات العلماء والنساك والزهاد قدموا إلي الاسكندرية من بلاد المغرب. يسعون إلي أداء فريضة الحج. يستخدمون الدواب. أو يسيرون علي أقدامهم. تطالعهم الاسكندرية فيزمعون الإقامة فيها. يلقي ترحيباً من أهلها. ينسبون إلي أقواله وتصرفاته كرامات. يصرون أن يقيم بينهم. في حياته. وبعد الممات. تلك هي الحكاية التي تكررت في سير أبوالحسن الشاذلي والمرسي أبوالعباس والعديد من أولياء الله. تصوروا الاسكندرية محطة في طريقهم إلي البيت الحرام. لكن الخصائص المميزة للمدينة وأهلها. دفعتهم إلي الإقامة فيها بعد أداء فريضة الحج. ثمة من أخلص للدعوة الدينية. ومن أنشأ طريقة صوفية. تضخمت أعداد مريديها. كما هو الحال في الطريقة الشاذلية ذات القطب الأكبر والأحزاب والأوراد وعشرات الألوف من المريدين. وتوزعت في أماكن متقاربة: مقامات وأضرحة يقصدها الناس. يلتمسون البركة والشفاعة والمدد.