ولدت في بيت يطل علي جامع.. مفردات نشأتي: رفع الأذان من علي تمراز. ترامي التسابيح من أبي العباس. تواشيح رمضان. الحلوات المارة أمام بيتنا. الموالد في الميادين. مواكب الطرق الصوفية ما بين ميدان الأئمة إلي جامع القائد إبراهيم. حلقات الذكر علي رصيف البوصيري. خطب الشيخ عبدالحفيظ إمام علي تمراز. صلاة الجمعة والعيدين في ميدان الخمس فوانيس. معهد المسافرخانة الديني. سوق العيد. درس المغرب. المذاكرة في صحن جامع قطب الإسكندرية. دوران عربات العرائس في ساحة السلطان. مقامات الأولياء. وأضرحتهم. والزوايا. والمزارات. أذكر أني كتبت عن رؤيتي لمؤذن جامع علي تمراز. وهو يصعد السلم المعدني. الحلزوني.. مشهد يتكرر خمس مرات في اليوم. وإن كانت رؤيتي له بالمصادفة. عندما أكون في الحجرة المطلة علي الشارع الخلفي. أو في المطبخ الملاصق لها. لتكرر المشهد. فقد صرت أتوقع التصرف التالي. منذ يطأ المؤذن قدمه علي أول السلم حتي يبلغ درجته الأخيرة. ويأخذ وضع التأهب لرفع الأذان. ومع أن ساعة الحائط البندولية كانت تتوسط صالة الشقة. فإن أبي كان يتعرف إلي الوقت من أذان الصلوات الخمس.. حتي مواعيد نزوله إلي قهوة فاروق للجلوس إلي أصدقائه. جعله ما بين أذان المغرب والعشاء. في موعد أذان المغرب يرتدي ثياب الخروج ثانية. ربما بعد دقائق من عودته إلي البيت. يظل في القهوة حتي يتناهي أذان العشاء. فيستأذن في العودة إلي البيت. وكان أذان العصر يوقظه من نوم القيلولة. فيتهيأ للتوجه إلي عمل بعد الظهر. ثبت ذلك كله في ذاكرتي. صار جزءاً من تكويني المعرفي والوجداني. نبع ألجأ إليه في كتاباتي. لا أذكر المناسبة التي أشرت فيها إلي الجوامع المتقاربة في بحري. بين الجامع والآخر زاوية أو ضريح أو مقام. كأنما الحي قد جعل للروحانية. أو أن الروحانية قد جعلت له. لكن المعني في ظني صحيح تماماً.. عشت في أكثر من مدينة. وزرت مدناً في داخل مصر وخارجها. لم أر مكاناً يضم هذا العدد من أولياء الله: المرسي أبوالعباس. البوصيري. ياقوت العرش. ونصر الدين. وكظمان. الست رقية. وعبدالرحمن بن هرمز. وعلي تمراز.. وأعتذر للأسماء التي ربما نسيتها. حدثني نجيب محفوظ ذات يوم عن الفتوات ومساعديهم. الفتوة هو البطل الذي يوجه الضربات. بينما المساعدون يتلقون الضربات التي توجه إليه. "للكلام بقية"