رمضان زمان! حوارات نجيب محفوظ محمد سلماوي كان ذلك هو آخر رمضان في حياة أديبنا الأكبر نجيب محفوظ وبعد أن هنأته بحلول الشهر الكريم سألته ماذا يفعل الآن في رمضان, فقال بقدر من الأسي: أفعل ما أفعله في شعبان, فالأيام عندي أصبحت كلها سواء. فسألته: وما هي الاشياء التي أصبحت تفتقدها في رمضان؟ قال: أولها هو الصيام الذي بدأت أواظب عليه قبل أن أتم عامي السابع, فالصيام قبل أي شئ آخر هو الذي يجعل رمضان مختلفا عن بقية شهور السنة, وأذكر أنني كنت أجلس فوق سطح منزلنا في ميدان بيت القاضي بالجمالية لأراقب المؤذن وهو يصعد مئذنة جامع الحسين ليؤذن للمغرب, وقد كان رمضان يحمل لي أجمل الذكريات لأنه الشهر الوحيد الذي كان يسمح لي فيه أن أتأخر خارج البيت حتي ساعة متأخرة من الليل دون أن أسأل أين كنت أو لماذا تأخرت, وقد كنت أمضي يومي بعد الإفطار في اللعب مع الأصدقاء. أما في الكبر فقد كنت أمضي الجزء الأكبر من اليوم في القراءة, فلم أكن أذاكر أثناء الصيام فرمضان عندي كان شهر القراءات الحرة, ولقد قرأت فيه القرآن كاملا لأول مرة وكانت قراءتي له في رمضان تختلف تماما عن القراءة في الأيام العادية, فقد كان الصيام يضفي علي الإنسان قدرا من الشفافية والروحانية لذلك كنت أجد للقراءة مذاقا خاصا في رمضان. ويشرح الأستاذ ماذا كان يقرأ في رمضان, فيقول: أذكر أنني قرأت حديث عيسي بن هشام في رمضان, كما قرأت أيضا كتاب المنتخب في أدب العرب الذي وضعه الدكتور طه حسين مع الشيخ السكندري وعلي الجارم, وكان يحوي أجمل النماذج من الشعر والنثر, كما قرأت إسلاميات العقاد وعلي هامش السيرة لطه حسين, بالإضافة إلي كتاب آخر كنت أعتز به كثيرا لأنه كان يضم نبذة عن تاريخ شيوخ الصوفية وبعض كتاباتهم, أما في الأدب العالمي فقد قرأت في رمضان مسرحيات برنارد شو كاملة وكنت آنذاك في سنواتي الأولي بالجامعة وكذلك أشعار ت.س.إليوت وكان وقت القراءة بالنسبة لي هو بعد عودتي ظهرا من العمل أو الدراسة وحتي موعد الإفطار وكنت دائما ما أنتقي في قراءاتي ما يتفق مع روح التأمل الديني والنظرة الفلسفية. أما بعد الإفطار فلم يكن هناك تليفزيون ولا مسلسلات ولا فوازير, لذلك كان الترفيه بالنسبة لنا هو مقهي الفيشاوي بالحسين الذي كان يتجمع فيه الناس فيقصون آخر النكت أو يدخلون لبعضهم البعض قافية, وكان السمر يدور فيه حتي الساعات الأولي من الصباح حيث كنت أتسحر وأعود إلي المنزل. ومن أجمل ما أتذكر عن رمضان في سنوات الطفولة أننا كنا نمر علي بيوت العائلات الكبيرة في درب ارمز لأنها كانت تقدم سهرات في مديح الرسول تتضمن القصائد الصوفية التي كان ينشدها أكبر المنشدين والذين كان من بينهم الشيخ علي محمود الذي كنت أعشق صوته, وكان لكل بيت منشده ومقرئه وكانت هذه البيوت تفتح المندرة لكل من يريد وأجمل اللحظات كانت حين يأتي وقت الأذان, فكان كل من هؤلاء المقرئين يقف أمام الدار ليؤذن في انسجام مع بقية المؤذنين فيرد كل مؤذن علي الآخر في تناغم موسيقي جميل. قلت: كم يبدو هذا مغايرا لما نراه اليوم من مكبرات الصوت المزعجة التي لا يهدف كل منها إلا للتغطية علي صوت الآخر في تنافر لايشبه التناغم الموسيقي في شئ, فصمت الأستاذ ولم يرد. عن صحيفة الاهرام المصرية 20/9/2007