كشفت اللجنة المالية بالشوري مؤخراً عن ظاهرة اقتصادية خطيرة حيث أظهرت المناقشاتپأن الاقتصاد الخفي أو الموازي غير الرسمي أو غير المسجل يمثل أكثر من 50% من الناتج المحلي ويتجاوز رأس ماله ال150 مليار جنيه وهو ما يعني ضياع مليارات الجنيهات كمستحقات للدولة وانتشار المنتجات غير المطابقة للمواصفات بشكل واسع. الخبراء والمتخصصون أكدوا أننا اخطأنا من البداية في التعامل مع هذا القطاع الضخم وتركناه ينتشر ويتغلغل في كل انحاء الجمهورية ويشمل كافة المنتجات بداية من البضائع الضارة بالصحة وانتهاء بالمنتجات التي يتم تصديرها. أضافوا أن أسلوب المعالجة السابق الذي تمثل في المواجهات الأمنية فقطپللظاهرة أثبت فشله في القضاء عليها حيث لم يحقق أي نجاحات تذكر بل أن الظاهرة تزداد انتشاراً وطرحوا عدداً من الحلول منها تقديم تسهيلات ضريبية حقيقية واعفاء المنتجات من أي رسوم أو ضرائب سابقة مع الأخذ بأسلوب الترغيب والترهيب بحيث يحصل كل من يستجيب للمزايا ومن يرفض تتم محاسبته بشدة. طالبوا المواطن بالمشاركة في التصدي للمشكلة بعدم التعامل سوي مع الأنشطة الرسمية المعتمدة مع قيام الدولة بدورها في هذا الاطار بتوفير الأماكن البديلة لممارسة الأنشطة العشوائية بعد تقنينها وتجهيزها بالوسائل والخدمات التي تتضمن توفير بيئة مناسبة للعمل. د. محمود عيسي : الابتعاد عن الأسلوب البوليسي .. وتسهيل استخراج التراخيص * د. محمود عيسي وزير الصناعة السابق يروي تجربته في التعامل مع هذا القطاع منذ أن كان يتولي مسئولية هيئة المواصفات القياسية ثم معهد الجودة قائلاً: قمنا بالنزول إلي الأماكن التي تنتشر فيها هذه النوعية من الاقتصاد واخترنا 3 مدن للصناعات العشوائية واخترنا مدينة السلام ومنشية ناصر وباسوس بالقليوبية باعتبارهم أكبر 3 أماكن في الجمهورية تضم صناعات عشوائية. أضاف: اخترنا حوالي 1000 منشأة وتمت دراستها بشكل مستفيض وتبين أن رأس مال المنشأة الواحدة يتراوح من 5 آلاف إلي 15 مليون جنيه وتقوم تقريباً بانتاج جميع أنواع المنتجات بداية من المنتجات شديدة الخطورة والضرر بالصحة والمستهلك وانتهاء بالمنتجات الصالحة للتصدير خاصة الصناعات الحرفية مثل المنتجات الجلدية وعقدنا مجموعة من اللقاءات المكثفة مع ممثلي وأعضاء هذا القطاع وخصصت مركزاً للتدريب في مدينة السلام وتبين أن 80% من هؤلاء تريد أن توافق أوضاعها وتعمل بشكل رسمي ولكن بشرط توفير المناخ المناسب لذلك. أوضح أن نقطة البداية الصحيحة للتعامل مع هذا القطاع تبدأ بالابتعاد عن العمل السياسي مع العاملين به وأسلوب المطاردة الدائمة الذي ينتج عنه سلبيات أكثر من الايجابيات فهم يحتاجون بداية إلي الشعور بالاطمئنان والأمان. بالإضافة إلي تسهيل استخراج رخص التشغيل حيث توجد معاناة شديدة في استخراجها وكذلك استخراج السجل الصناعي الذي يستلزم أولاً استخراج رخصة التشغيل بجانب توفير الأراضي اللازمة لممارسة النشاط حيث يريد الكثيرون قطعة أرض صغيرة لممارسة نشاطهم ولا يجدون ذلك إلا بأسعار مغالي فيها بشكل كبير. أضاف يجب أن نتعامل مع هذا القطاع بصدق وشفافية بحيث نحدد مثلاً 10 خطوات يتخذها العاملون في القطاع ثم بعد ذلك من حقه الاعفاء من الرسوم والضرائب لمدة زمنية معنية ثم بعد ذلك يتم التحصيل علي أقساط بسيطة. أشار إلي أن التعامل مع هذا القطاع وادراجه في النشاط الرسمي لا يجب أن يكون الهدف منه فقط تحصيل الضرائب والرسوم المستحقة فبالرغم من أهمية ذلك إلا أن هناك ايجابيات أكثر من ذلك تتمثل في القضاء علي المشاكل الاجتماعية الناتجة عن ذلك وأيضاً الحد من مشكلة البطالة بتوسع هؤلاء في العمل وضم اعداد كبيرة من العاطلين. أضاف أيضاً يجب التعامل مع مشكلة الباعة الجائلين بشكل عملي فهؤلاء إذا وجدوا مكاناً مناسباً بديلاً عن التواجد في الشوارع والطرقات لن يتأخروا في الذهاب إليه ومن ثم علينا أن نحاول توفير أماكن بديلة لهم مثل أسواق اليوم الواحد أو تخصيص أماكن خارج المدن ومدها بالمواصلات والمرافق والخدمات المطلوبة لنقل هؤلاء الباعة إليها مثلما حدث في العديد من الدول ومنها المغرب وبعض الدول الأوروبية حيث تتم اقامة مثل هذه التجمعات بشكل آدمي يحقق الراحة للمواطن والبائع وفي نفس يضمن حصول الدولة علي حقوقها. د. محمود عبدالحي : حزمة مزايا وإغراءات .. للانضمام للنشاط الرسمي * د. محمود عبدالحي أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي يؤكد أن أي حلول قصرية أو عنيفة في مواجهة العاملين بالاقتصاد الخفي لن تفيد ولكن لابد من حزمة مزايا واجراءات تضمن انضمام العاملين في هذا القطاع إلي النشاط الرسمي طواعية دون أي ضغوط. أضاف أن ذلك يتطلب أن تكون هناك مزايا حقيقية لهذا القطاع مثل الحصول علي مزايا تأمينية وتخفيضات ضريبية حقيقية مع الحصول علي نظم رعاية ثقافية واجتماعية حقيقية بحيث يكون هناك مردود ايجابي علي الشخص الذي ينضم للمنظومة الرسمية. طالب بأن يكون هناك اهتمام برفع الوعي الثقافي لدي العاملين في هذا القطاع بحيث تخلق فيهم أن الانضمام للمنظومة الرسمية يمثل نوعاً من الاحترام للمهنة والذات كذلك يجب أن يلعب جهاز حماية المستهلك دوراً في هذا الأمر بتوعية المواطنين بعدم التعامل مع أي نشاط اقتصادي أو تجاري بدون الحصول علي فاتورة رسمية معتمدة حتي يكون هناك نوع من الاجبار للانضمام للكيانات الرسمية وإلا سيتعرض النشاط للتوقف كلية بسبب عدم تعامل المواطنين معه. د. علي لطفي : "عفا الله عما سلف" ..بداية الإصلاح * د. علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق واستاذ الاقتصاد يؤكد من جانبه أن نسبة الاقتصاد الخفي تتراوح من 40% إلي 50% وهذا يعني ببساطة شديدة أن هناك ملايين من المصريين تقوم بأعمال معينة تتعايش منها وتكسب وتحقق ارباحاً وفي نفس الوقت لا تقوم بتسجيل نشاطها بشكل رسمي ولا تؤدي ما عليها من التزامات مثل سداد الضرائب المستحقة أو التأمينات الاجتماعية علي العاملين لديهم. أضاف أن هذه الظاهرة جد خطيرة حيث من الصعوبة بمكان التحديد الدقيق لأماكن هؤلاء بسبب انتشارهم في جميع انحاء الجمهورية وبسبب نقص المعلومات والبيانات لدينا في جميع المجالات والأخطر أن جانباً كبيراً من هؤلاء قد يقوم بانتاج منتجات تمثل خطورة شديدة علي المواطن مثلما يحدث في الأجهزة الكهربائية أو المواقد التي تعمل بالغاز وكذلك هناك من يقوم بتقليد وغش بعض أصناف الأدوية وإعادة بيعها أو غش المستلزمات الطبية وهذا يؤثر بشكل سلبي علي صحة وحياة المواطن. أوضح أن معظم دول العالم عانت من هذا الوضع علي مدار تاريخها وأن اختلفت نسب الظاهرة وسعت جاهدة للقضاء علي الظاهرة وهذا لا يمكن أن يحدث من خلال اصدار قانون أو تشريع أو وضع من يقوم بهذا العمل في السجن لأن هؤلاء عددهم بالملايين ولكن الحل فيما يعرف بالمغريات بحيث نغري الشخص الذي يمارس هذا العمل بالحضور من نفسه وطلب التسجيل والانضمام للمنظومة الرسمية. استطرد قائلاً أن هذه المغريات تبدأ بتبسيط الاجراءات سواء كانت للحصول علي رخص التشغيل أو السجل التجاري والصناعي حيث ان هذه الجهات حكومية والعمل فيها روتيني ومعقد مما يجعل طالب الخدمة ينصرف عن اتمامها والخطوة الثانية تخفيض الرسوم مثل رسم السجل التجاري وكذلك معدلات وشرائح الضرائب التي تعتبر من أعلي المعدلات التي تمثل عائقاً أمام انضمام الكثيرين للقطاع الرسمي. أضاف والخطوة التالية والمهمة اصدار قانون يسمي "عفا الله عما سلف" بحيث يتم اعفاء النشاط السابق للتسجيل من أي رسوم أو ضرائب وتتم المحاسبة بعد فترة سماح معينة. أشار إلي ضرورة الاهتمام بالتدريب التحويلي والتثقيفي لهذا القطاع بحيث يتم اندماجهم في النشاط الرسمي بشكل تدريجي. د. حمدي عبدالعظيم : الترغيب والترهيب .. هو الحل * د. حمدي عبدالعظيم استاذ الاقتصاد وعميد أكاديمية السادات سابقاً قال هناك نوعان من الاقتصاد غير الرسمي الأول نشاط اقتصادي مشروع ولكنه غير مسجل ولا يخضع لأي ضرائب أو يحصل علي أي تراخيص ولا أحد يعلم حجمه علي وجه الدقة ولكن هناك تقديرات متفاوتة بشأنه.. والنوع الثاني اقتصادي غير رسمي وغير مشروع في نفس الوقت ويتعلق بجرائم تهريب المخدرات وغسيل الأموال وجرائم الرشوة. أضاف أن النوع الأول يجب أن نعمل جاهدين علي ادماجه في النشاط الرسمي حيث أن هناك الكثير من الصناعات التي تتم في بير السلم وتقوم بتقليد المنتجات المشروعات الأصلية والترويج لها مما ينتج عنه عدة مشاكل التأثير علي المنتجات الرسمية الجادة والحد من مبيعاتها والمشكلة الثانية أن هذا المنتجات المزورة ذات تأثير خطير علي صحة وحياة المواطن. أوضح أن التعامل مع هذا القطاع يجب أن يتم بأسلوب "الترغيب والترهيب" بمعني أن الذي يلتزم بالخطوات التي يتم وضعها والتسهيلات التي يتم اقرارها يحصل علي مميزات كبيرة مثل تخفيض الضرائب وعدم تحصيلها بأثر رجعي والجدولة لمن يريد.. والترهيب من خلال التعامل بحزم بكل من لا يلجأ من تلقاء نفسه للانضمام للمنظومة الرسمية بعد فترة سماح محددة. أشار إلي أن المجتمع أصبح يعج بالأنشطة غير الرسمية التي لا تحصل الدولة من خلالها علي أي عائد أو مستحقات وأبرز مثال علي ذلك مراكز الدروس الخصوصية التي تعمل بشكل مخالف للقانون ولا تسدد أي ضرائب وهذه يجب أن تقنن بحيث لا يتم السماح بانشاء أي مركز إلا بعد الحصول علي موافقة رسمية من وزارة التربية والتعليم والمحليات من يخالف ذلك يتم اغلاق المكان ومحاسبته ضريبياً بشكل جزافي ومن لا يسدد يتم حبسه.