عام جديد وتحديات اقتصادية كبيرة يأتي في مقدمتها مشكلاتها الاقتصاد غير الرسمي والذي تقدر قيمته في مصر ووفقا للإحصائيات الرسمية بنحو50% من الناتج القومي ورغم ذلك لا يؤدي الضرائب المستحقه عليه حيث توجد مجموعة ليست بقليلة من الصناع والتجار تعمل في الخفاء بهدف الحصول علي الربح السريع ودون الالتزام بأي أعباء مالية سواء تأمينية أو ضريبية حيث لا يتم تسجيل المنشأة في السجلات الرسمية للدولة بمختلف أنواعها. ومؤخرا وفي ضوء تكليف رئيس الجمهورية للحكومة بضرورة الاهتمام بالجانب الاقتصادي قرر الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء انشاء اللجنة الوزارية العليا لتيسير إجراءات تحويل المنشآت العاملة بالقطاع غير الرسمي إلي العمل بالقطاع الرسمي ويرأس اللجنة رئيس مجلس الوزراء أو من ينيبه وعضوية وزراء المالية، والدولة لشئون البيئة، والتنمية المحلية، والاستثمار، والتموين والتجارة الداخلية، والصناعة والتجارة الخارجية. ويجوز للجنة أن تدعو من تراه من ذوي الخبرة بحضور اجتماعاتها دون أن يكون له صوت عند التصويت وتختص اللجنة بوضع السياسات والخطط والبرامج واقتراح مشروعات التشريعات والموازنات لتنفيذ البرنامج وإستعراض ومتابعة التقارير التي تعدها الوزارات والهيئات المختصة عن نتائج تنفيذ البرنامج واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لإزالة العقبات التي قد تواجه تنفيذ البرنامج والإجراءات المقررة لتضمين الالتزامات المالية اللازمة لتنفيذ البرنامج في الموازنة العامة للدولة وموازنات الهيئات الاقتصادية والخدمية المعنية. وفي ضوء ما سبق تري هل تكفي هذه الخطوة لجذب العاملين بهذا القطاع للدخول في منظومة القطاع الرسمي؟ وما دور الحكومة ورجال الأعمال علما بأن هذا النوع من الاقتصاد ينافس القطاع الرسمي ويسبب له في خسائر مالية كبيرة؟ بداية يوضح م.محمد السويدي وكيل اتحاد الصناعات المصرية ونائب رئيس الشركة العربية للصناعة والتجارة والعضو المنتدب أن 2013 يجب أن يكون العام الذي تقوم فيه الحكومة بتبني مشروع دمج القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي من خلال منظومة عمل وحزمة تشريعات كبيرة، مؤكدا أن التعامل مع هذا الملف لن يكون بالسهولة التي يتحدث بها البعض خاصة أن المشكلة إزدادت تعقيدا مع تعدد الجهات المشرفة علي هذا الملف وأيضا تعدد الآراء غير الصالح معظمها لحل المشكلة، مضيفا أن اتحاد الصناعات يتبني حاليا هذا الملف حيث نعمل علي دراسة كل المعوقات والمشكلات التي تعوق دخول الصناعات غير الرسمية في القطاع الرسمي مع العمل علي إيجاد حلول عملية لهذه المشكلات، منوها إلي أن التجربة أثبتت أن هذا القطاع يحتاج حوافز وعوامل جذب مثل تسهيل إجراءات استخراج التراخيص ودعمها بخدمات البنية الأساسية التي توفرها الدولة للمنشآت الرسمية كخطوط المياة والغاز والكهرباء والصرف الصحي حتي تصبح صناعاتهم متوافقه مع اشتراطات البيئة وأيضا تسهيل الحصول علي الإئتمان وتحديد جهة محددة تكون مسئولة عن هذا الملف والتعامل معها خاصة وأن معظمهم ليس لديه مانع في عملية الدخول للقطاع الرسمي مع التأكيد علي أن فرصة نجاحهم ونموهم كبيرة جدا حيث يمكن حال خروج هذا القطاع للنور أن ينتج عنه صناعات قوية ودون عمل أي مخالفات، مؤكدا أن خطوة كهذه سوف تعمل علي تنظيم القطاع الصناعي الأمر الذي سيعمل علي زيادة موارد الدولة خاصة أن نسبة هذا القطاع تتجاوز ال 50% من الناتج القومي وهو رقم مخيف خاصة مع تزايد معدلات التسيب في هذا القطاع. ويضيف السويدي أن الطريقة المثلي للتعامل مع هذا القطاع تكون عن طريق التدريب والتطوير للعاملين بهذا القطاع غير الرسمي والعمل علي دمجهم بالقطاع الرسمي عن طريق استغلال الفنيين منهم ودمجهم بداخل الشركات الكبيرة علي أن يوكل إليهم تصنيع أجزاء صغيرة وقطع غيار، مشيرا إلي أنه قد آن الأوان للتعامل مع هذا الملف الحيوي والذي تأجل التعامل معه كثيرا بسبب الملفات العديدة الطارئه التي شهدها القطاع الاقتصادي علي مدار العامين السابقين. اقتصاد طفيلي فيما يشير محمد جنيدي رئيس نقابة المستثمرين الصناعيين إلي أن الضمانة الوحيدة لترشيد ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي خاصة مع صعوبة القضاء عليها بشكل كامل بسبب الإمكانيات الكبيرة التي تحتاجها والصعب توافرها حاليا هو إلزام التاجر أو صاحب المحل التجاري بتقديم فواتير رسمية من خلال إجراءات حاسمة وحازمة وإلا البديل مصادرة البضاعة وإغلاق المحل خاصة مع تزايد أعداد المحال التي تقوم بعرض سلع مجهولة المصدر ودون فواتير بيع للمستهلك، مؤكدا أنه من خلال هذه الطريقة فقط تضمن الدولة زيادة الإيرادات الضريبية والجمركية والأهم تشجيع الصناعة الوطنية الحقيقية، مضيفا أننا نتحدث هنا عن 50% من حجم الاقتصاد يمكن وصفه بأنه اقتصاد طفيلي ومن ثم يصعب القضاء عليه بشكل كامل كونه منتشرا في جميع ربوع مصر ومن السهل التهرب من مكان لآخر حتي وإن تم عمل مخازن في الجبال، مضيفا ومن خلال تجربته الشخصية والتي مر بها منذ 25 عاما حيث قامت مجموعة من الأفراد بتجميع نفس نوعية السخانات الخاصة بمصانعه في المقابر وقمنا وقتها بعمل محضر رسمي وتبين أنهم يقومون بإستيراد مكونات الأجهزة من الخارج ومن ثم يجب التأكيد علي أن هناك مشكلة كانت ومازالت تعاني منها الجمارك فهناك مشكلات تتعلق بالتعريفة الجمركية وأخري بالتهرب الجمركي حيث يقوم المهرب بتوصيف الأجزاء بأسماء أخري وبدلا من دفع قيمة جمركية 20% يقوم بدفع 5% فقط إلي جانب بعض السلع التي يتم دخولها دون دفع أي قيمة جمركية عليها ، مشيرا إلي أن قطاع الاقتصاد غير الرسمي يضيع علي الدولة مصادر دخل عديدة كونه لا يؤدي الضرائب المستحقه عليه وهو ما يستلزم مزيدا من الجهد من جانب الجهات التنفيذية لتحصيل الضرائب المطلوبة بدلا من اللجوء إلي زيادة الضرائب علي الملتزمين بالسداد. مجتمع عشوائي ومن جانبه يؤكد د.أسامة عبد الخالق الخبير الاقتصادي أن ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي تفشت في المجتمع المصري خلال الثلاثين عاما السابقة ومازالت والسبب الخفي وراءها هو انعدام الرقابة الحكومية عليها بشكل كامل إلي جانب صعوبة فرض هذه الرقابة ولذلك من الطبيعي أن تصل اقتصاديات السوق غير الرسمي إلي ما يزيد علي40% من الاقتصاد المصري وتوضح الاحصاءات أن حجم التهرب الضريبي والتأميني في العديد من المناطق العشوائية يمثل 100% وحجم التأثير علي الموارد السيادية للدولة لا يقل عن 20% من قيمة تلك الموارد وعلي الأخص الضرائب والتأمينات والرسوم إلي جانب المنافسة غير الشريفة بين ما ينتجه القطاع غير الرسمي غير المحمل بتكاليف الجودة أو الضرائب والتأمينات مقارنة بالقطاع الرسمي وهو ما نشاهده جميعا بالأسواق حيث لا مجال للمقارنة بين الأسعار بل وتزوير العلامات التجارية والاسم التجاري لبعض المنتجات بل ويزداد الأمر سوءا وأثرا سلبيا علي المنتجين المصريين الملتزمين بما يحدث من إغراق من المنتجات الصينية ولذلك تقدر أيضا خسائر المنتج المصري في القطاع الرسمي بما يعادل 20% من حجم الأعمال فضلا عن الخسائر المتلاحقة لتلك المصانع نتيجة إضطرابات العمالة وما أعقب ثورة 25 يناير من أحداث، مضيفا أن هذه الظاهرة لا علاج لها إلا بعودة الدولة إلي موقعها بالكامل بالصورة التي تفرض فيها هيبتها وقدرتها علي الرقابة وتطبيق القوانين بشدة وصرامة مع ضرورة أداء الدولة علي متوازيا لدورها الاجتماعي المتعلق بخدمات الصحة والتعليم والغذاء وغيرها من الأدوار الأساسية لاعادة غرس الانتماء في هذا القطاع وتشجيعه علي الخروج إلي العلن والإفصاح عن نشاطه لأن من أكثر الأمور سوءا أن جميع إحصاءات الدولة المعلنة خاطئة لأنها تتجاهل هذا القطاع بالكامل ولا يتم حصرها إلا المواليد والوفيات المتعلقة به وما عد ذلك من إحصاءات اقتصادية أو اجتماعية لا تعبر عن الحقيقة وهو ما يعني أن الناتج القومي ومعدل النمو ومتوسط دخل الفرد وغيرها من الاحصاءات لا يمكن البناء عليها لأنها لا تعبر إلا عن 60% فقط تمثل القطاع الرسمي وتتجاهل 40% علي الأقل من حجم القطاع غير الرسمي. ويشير عبد الخالق أن 90% من القطاع غير الرسمي مشروعات صغيرة وبالتالي لابد علي الدولة إن أرادت لهذا القطاع أن يحدث له تغيير جذري ودمجه في القطاع الرسمي المنتظم أن تربط بين حصوله علي وسائل التدريب والتمويل بالقروض الميسرة والإعفاءات الضريبية المختلفة أن يكون لهذا القطاع ملف ضريبي مسجل لدي مصلحة الضرائب علي المبيعات طبقا لشروط التسجيل وله ملف تأميني قابل للمراجعه والرقابة عليه إلي جانب خضوعه لاشتراطات وزارتي الصحة والصناعة في جودة السلع والخدمات التي يؤديها وعدم أخذ هذه التوصيات يعني بقاء الوضع علي ما هو عليه علما بأن هذا القطاع يمثل مصدرا رئيسيا لايجاد المشاكل الاجتماعية واللاأخلاقية في مصر مما يستدعي تحولا جذريا في التعامل معه ، مؤكدا أن أكبر دليل علي العشوائيات في مصر أن هناك 1000 منطقة عشوائية يقطنها 15 مليون مواطن أي ما يقرب من 20% من المجتمع المصري يعيش في العشوائيات وبالتالي هناك دولة داخل الدولة وهناك قواعد وأسس وقوانين تحكم تلك المناطق خارج نطاق قوانين الدولة، كما أن تلك المناطق بطبيعتها يسيطر عليها مناخ عدم الانتماء لمصر لأنها محرومة من جميع الخدمات الحكومية حتي في أبسط صورها مثل الماء النقي والصرف الصحي وبالتالي لابد أن تفرز تلك البيئة فئات تسعي لكسر القوانين والخروج عنها بما في ذلك عدم الإلتزام بقدسية الضريبة أو إنتظام العمل التأميني أو الامتثال للتسعيرة الجبرية أو قواعد الجودة وغيرها مما لا يتوافر إلا لدي الشركات المنتظمة التي تعمل في العلن ولها قوائمها المالية وملفاتها الضريبية والتأمينية. شو إعلامي ويري د.محمود عبد الحي أستاذ الاقتصاد بالمعهد القومي للتخطيط أن الحديث عن دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي يتردد منذ أكثر من 20 عاما وحكومات كثير اتخذته كوسيلة دعائية أو لعمل شو إعلامي حيث تم استغلال هذا الملف الحيوي والدليل أن المشكلة تزداد سوءا يوما بعد الآخر ولا توجد أي خطوات فعلية حتي لمحاولة تقنينها، مضيفا أن الطريقة المثلي لتشجيع الصناعات الصغيرة غير الرسمية علي العمل طبقا لمواصفات الجودة والمحافظة علي الصحة والسلامة البيئية ووفقا للتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال هو أن تعمل تلك المشروعات الصغيرة تحت مظلة رعاية تعاقدية من المشروعات الكبيرة وهذا النظام يتم تطبيقه في دول عديدة منها الهند واليابان.