استكمالا لما أوضحته يوم الثلاثاء بخصوص العلاقة بين الدولة المدنية والاسلام أود أن أؤكد علي أن الرسول صلي الله عليه وسلم هو أول من أقام دولة مدنية لها دستور محدد المعالم علي أعلي مستوي من الدقة والعدالة. فعندما هاجر النبي الي المدينة كان العالم يتنازعه امبراطوريتان عظميان هما الفرس بقيادة كسري والروم بقيادة قيصر. وكانتا تتسمان بالحكم الاستبدادي فالامبراطور وحاشيته ووزراؤه وقواد جيوشه يمتلكون كل شيء أما باقي الشعب فهم عبيد لديهم محرومون من أدني حقوقهم الآدمية ينفذون ما يطلب منهم بنظام السخرة . أما دولة الاسلام التي أقامها النبي صلي الله عليه وسلم فقد تأسست علي أرقي المباديء الانسانية والعقائدية فقد كان سكان المدينة آنذاك يتكونون من المهاجرين والأنصار "الأوس والخزرج" واليهود لذلك كانت الخطوة التالية للنبي في بنائه لدولة الاسلام بعد إقامته للمسجد ومؤاخاته بين المهاجرين والأنصار هي إعلانه لما عرف بالوثيقة أو الكتاب وهي ما يطلق عليه في وقتنا الحالي الدستور. وقد أوضح النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الوثيقة العلاقة بين عناصر الأمة المهاجرين والأنصار واليهود. وأكد فيها علي حرية العقيدة انطلاقا من الآية الكريمة "لا إكراه في الدين" فلغير المسلمين حريتهم الكاملة في اختيار معتقداتهم وعلي الدولة الاسلامية تأمين وحماية دور عبادتهم وصوامعهم. كما أن من حق أهل الكتاب أن يتحاكموا الي شريعتهم طالما الأمر يتعلق بهم أما اذا حدث خلاف بين مسلم ويهودي مثلا فيكون المرد والاحتكام الي الرسول والشريعة الاسلامية . ومن الأسس العظيمة التي أقرها صلوات الله عليه وسلامه العدل والمساواة بين الجميع مسلمين وغير مسلمين فالكل سواء في الحقوق والواجبات. وهكذا قامت دولة الاسلام المدنية التي أعلت من شأن الحرية المسئولة الكاملة والعدل والمساواة وأشاعت الأمن والأمان والطمأنينة في ربوعها واستطاعت بناء حضارة عظيمة وأسهمت في إقامة صروح العلم والمعرفة والتطور في مختلف المجالات وشجعت الأفراد علي التعلم والابتكار كل ذلك في اطار من الأخلاق والقيم التي حث عليها الاسلام.. فهل بعد ذلك يحق لهؤلاء المدعين أن يخيفوا الناس من أي دولة ترفع لواء الاسلام شرعة ومنهاجا واصفين إياها بأنها ليست مدنية؟