تشهد الأسواق نقصاً شديداً في الحاصلات الزراعية والكل يشكو من غلاء أسعار الخضراوات ومختلف السلع والمنتجات الزراعية. لكن الطماطم هي التي استولت علي الكثير من المناقشات وتنوعت بشأنها الآراء والاجتهادات لدرجة أن البعض اقترح استيرادها من الخارج وجاء رد البعض بأن ذلك في منتهي الصعوبة. وناهيك عن الأرز ومزارعه وأسعاره! لا شك أن انفلات أسعار الخضراوات لن يتوقف وسوف يكون هناك المزيد من الغلاء والصورة أمامنا في أي نوع من الخضار.. حزمة الخضار التي كنا نحصل عليها بقروش قليلة أصبحت تتمتع بأسعار عالية وناهيك عن الثوم فقد تجاوز سعر الكيلو 20 جنيهاً. وها هو الثوم الصيني يغزو كثيراً من الأسواق. وكل يوم نشهد تراجعاً في إنتاج هذه الخضراوات التي كنا نتميز بها جودة في الإنتاج ورخصاً في الأسعار. للأسف أصبحنا لا نأمن علي جودة الخضراوات ومدي صلاحيتها بعد أن أصبح الكثير من المزارعين يروي بماء المجاري. ناهيك عن مياه المجاري التي تلقي في مصب الأنهار والترع ويكفي أن نلقي نظرة علي هذه الترع التي تروي الحقول والمزارع كلها ملوثة وبها الكثير من الحشائش والحيوانات النافقة. لقد تجاهلنا الفلاح وتركناه دون دعم أو الوقوف بجانبه نبحث ظروفه والواقع الذي يعيشه علي الطبيعة ووضع السياسة الزراعية التي تلائمه. تركناه بلا رعاية أو إرشاد لأهم المحاصيل التي تدر عليه دخلاً يساعده في مواجهة أعباء الحياة. تركناه حتي عزف عن العمل في الزراعة وهجر كثيرون من شباب القري في ربوع الريف هذه المهنة بحثاً عن عمل داخل المدن. نري أعداداً منهم يفترشون الشوارع والميادين وأمام كل واحد بعض المعدات وهو علي أهبة الاستعداد للقيام بأي عمليات ترميم أو إصلاح لأي عقار أو تهيئة لمكان. وكثير من الشباب يفضل أن يعمل بواباً لعمارة ويجلس مع أسرته في حجرة بمدخل هذه العمارة وليس لديه مانع في ان يتولي في الصباح تنظيف وغسل عدد من السيارات بعيداً عن مشقة العمل في الحقول بعد أن أصبحت مهنة الفلاح لا تكفي أي متطلبات للحياة. أي زيارة لأي قرية في الريف تكشف الكثير من السلبيات. بعد ان كانت القرية مصدراً للخضراوات والمحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها. النهضة الزراعية تبدو في المساحات الخضراء التي قامت علي اكتاف الرجال. الكل يتباهي بالإنتاج الكثير سواء من القطن موسم زواج أهل الريف أيام الزمن الجميل. أو ماكان يطلق عليه الذهب الأبيض أين نحن الآن من القطن ذلك المحصول الذي كنا نتميز بإنتاجه سواء كانت نوعيته طويل التيلة أو غيرها. القمح كان موسم حصاده أعياداً لأهل القري حيث كان يتم توريد الكميات المطلوبة لبنك الائتمان والباقي يتم تخزينه لإعداد العيش التي تتولي الفلاحات وربات البيوت إعداده في الأفران والمخابز داخل أي بيت مهما يكن حجمه. القمح تضاءل إنتاجه واختفت أفران العيش الطازج وأصبح أهل القري يقفون في طوابير أمام المخابز التي انتشرت في الشوارع الضيقة وأصبح إنتاج الخبز حلماً بعيد المنال والكل يتحسر علي أيام زمان. وهكذا باقي المنتجات الزراعية. الأرض الطيبة تشكو من عدم الاهتمام بها رغم أنها مصدر الثروة. فقد حبانا الله بمساحات من الأرض ومنحنا النيل لكننا أهملناها وتجاهلنا الفلاح حتي أصبحت الصورة كما نري بين كل فترة وأخري نقصاً وغلاء في الأسعار. وزيادة في تدهور الإنتاج. أعتقد أن هذه الصور وذلك التدني في الإنتاج لن ينصلح حاله ما لم نتدارك الأمر بسرعة ونشاط لا يعرف التواكل واتخاذ الإجراءات التي تكفل الاستعانة بمراكز البحوث وعلمائنا الزراعيين والوقوف بجانب الفلاح وبحث مشاكله علي الطبيعة ووضع سياسة زراعية تتواءم مع ظروفه وحرصه علي زراعة محاصيل تدر عليه دخلاً وفيراً يساهم في مواجهة متطلباته. بالإضافة إلي إزالة المعوقات وتزويده بالتقاوي التي تتضمن سلالات من المحاصيل التي تساعد علي الإنتاج الوفير. مع الاستعانة بأبحاث العلماء التي تعتمد علي التكنولوجيا الحديثة في تطوير طرق الري الحديث وعدم تجاهل الابتكارات وإبداعات الاساتذة والعلماء في جامعاتنا خاصة في مجالات زراعة الأرز وغيره من المحاصيل وأن يكون لدينا القدرة علي توعية المزارعين والفلاحين وربات البيوت هناك علي العودة لإنتاج الخبز بحيث يعود الفرن البلدي لإنتاج العيش. وليدرك الجميع أن الفلاح هو أساس النهضة الزراعية وأن ثروتنا الطيبة من الأرض الصالحة للإنتاج هي الطريق للرخاء والسخاء والإ فإن الأسعار سوف تظل تقفز أرقاماً وأرقاماً.. وحينئذ لن يفيد الندم أو البكاء علي اللبن المسكوب. أعتقد أنه قد حان الوقت لتدارك الأمر قبل أن تغزونا الصين بإنتاجها من الخضار والفواكه وكفانا الثوم وكعك العيد!!