شهدت البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية موجة عارمة من ارتفاع الأسعار في مختلف السلع وخاصة الفواكه والخضر وعلي رأسها الطماطم والتي أكدت من جديد المقولة التي دائما ما وصفت بها وهي »المجنونة«. وقد تضاربت الآراء والتكهنات حول أسباب هذه الارتفاعات الجنونية في الأسعار وفي مقدمتها كما ذكرت مصادر حكومية: »موجة الحر« الشديدة التي شهدتها البلاد خلال الشهر الماضي أي أثناء فترة تزهير ثم نضج المحصول وهو ما أدي بطبيعة الحال إلي تدهور الإنتاج وانخفاض معدلات الإنتاجية بصورة متدنية للغاية وهو ما تسبب في خسائر مهولة للمنتجين والمزارعين. وما إن وقعت الكارثة بكل أبعادها حتي تسابقت أقلام الكتاب والصحفيين لإبراز وتحليل هذه الظاهرة الخطيرة.. معظم هذه المقالات والتحقيقات الصحفية اعتمدت علي آراء المسئولين سواء في وزارة الزراعة أو مراكز البحوث الزراعية التابعة للوزارة وتجار الجملة في الأسواق العامة مثل سوق العبور أو السادس من أكتوبر ونادرا ما تطرقت هذه الموضوعات والتحقيقات الصحفية لتسمع رأي المنتجين سواء كبار المنتجين أو صغار المزارعين والاستماع إلي مشاكلهم والتحديات والصعوبات التي تواجههم وخاصة فيما يتعلق بتوفير مستلزمات الإنتاج من تقاوي وبذور منتقاة وأسمدة كيماوية ومبيدات حشرية بأسعار معقولة وفي الأوقات المناسبة ومساعدة المزارعين وتوجيههم لاستخدام أساليب الري الحديثة بهدف ترشيد استخدام المياه وتوجيهها بصورة مباشرة للنبات مثل الري بالرش والري بالتنقيط. يشكو المزارعون بصورة عامة من تجاهل الدولة وعدم الاهتمام بهم وخاصة فيما يتعلق بتوفير مستلزمات الإنتاج بالأسعار المناسبة وفي الأوقات التي تتناسب مع احتياجات مزروعاتهم.. كما أن هناك تقاوي وبذورا غير مطابقة للمواصفات تم استيرادها من مصادر غير معلومة وتتسبب في خسائر فادحة بالنسبة لهم. والحقيقة أن القطاع الزراعي يعد واحدا من أهم قطاعات الاقتصاد المصري حيث يعمل به حوالي 27٪ من إجمالي أعداد العمالة المصرية.. كما ساهم بحوالي 186 مليار جنيه في الناتج المحلي الإجمالي أي ما يمثل 18,8٪ عام 2008 كذلك فإنه يعد الضمانة الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري خاصة أن مصر تستورد كميات هائلة من السلع والمواد الغذائية من مختلف دول العالم. ولهذا فإنه لابد من إعطاء هذا القطاع والعاملين فيه أهمية قصوي لتقليل الفجوة بين حجم الإنتاج والاستهلاك من السلع الزراعية والغذائية وتقليل الاستيراد من الخارج بل وتصدير فائض الإنتاج إذا ما أمكن تحقيق ذلك. والقضية ليست قضية الطماطم أو الخضراوات والفاكهة فهي سلعة يمكن الإقلال من استهلاكها أو الاستغناء عنها لفترة محدودة حسب الأزمة التي يمر بها السوق حاليا وإنما القضية هي قضية الإنتاج الزراعي بصورة عامة وضرورة التوسع فيه ورفع كفاءة الإنتاجية وذلك من خلال التوسع في استزراع مزيد من الأراضي الصحراوية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية في هذا المجال وتحفيز المزارعين لتحقيق أعلي معدلات للإنتاج في مختلف المحاصيل من خلال توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة ووضع سياسة سعرية مغرية تحقق عائدا مجزيا للمزارع وتشجعه علي المضي بحماس في تحقيق استراتيجية الدولة لتحقيق الأمن الغذائي بل وتحقيق فائض من المنتجات الزراعية للتصدير مع الالتزام بالدورة الزراعية بهدف تنويع المحاصيل المنتجة لكافة الأغراض وحفاظا علي خصوبة التربة وعدم الإضرار بها. ويؤكد الخبراء الزراعيون ضرورة الإعلان المبكر عن أسعار الحاصلات الزراعية الاستراتيجية والغذائية منها بصفة خاصة وإنشاء صندوق موازنة الأسعار وربط عائد الأرض بالأسعار العالمية والتأمين ضد المخاطر الزراعية. ولابد أن تقوم الدولة بوضع استراتيجية شاملة تستهدف رفع مستوي معيشة الفلاح المصري ودعم قدراته المالية والاقتصادية لكي يقوم بالعملية الزراعية في مختلف مراحلها بأسلوب عصري متطور يؤدي إلي تحسين الإنتاجية الزراعية وزيادة الإنتاج الزراعي بصورة عامة وهو ما سيعود بفائدة كبري علي الاقتصاد القومي، ويتطلب ذلك زيادة الإنفاق علي منظومة البحث العلمي وتفعيل دور مراكز البحوث الزراعية وإعادة هيكلتها بما يمكنها من استخدام التقنيات الحديثة التي تتماشي مع المتغيرات الدولية وطبيعة الظروف المصرية سواء كان ذلك في عمليات الإنتاج أو ما بعد الحصاد وتشجيع البنوك ومؤسسات الائتمان علي الإقراض الزراعي المتنوع طبقا لاحتياجات المزارعين.. كما أنه لابد من تفعيل وتطوير دور الإرشاد الزراعي لتثقيف الفلاحين ورفع قدراتهم الإنتاجية والفكرية تماشيا مع أحدث أساليب التكنولوجيا الزراعية. وبالرغم من الدور الذي تقوم به الجمعيات التعاونية الزراعية إلا أنه لابد من البدء في إنشاء »اتحاد الفلاحين«. علي غرار »الاتحاد العام للنقابات العمالية« يكون هدفه حماية مصالح الفلاحين والعمل علي تطوير العملية الزراعية طبقا لأحدث النظم العالمية وأود هنا الإشارة إلي اتحاد الفلاحين الألمان باورنفرباند Bauernuerbond والذي لعب دورا هاما في تطوير قطاع الزراعة في ألمانيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وكان من أهم قراراته مؤخرا هو دعوة الاتحاد الأوروبي لمقاطعة الصادرات الزراعية الأمريكية لأوروبا وذلك نظرا للدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة الأمريكية للفلاح الأمريكي والذي يمثل ضررا للفلاح الأوروبي ويجعله غير قادر علي منافسة المنتجات الزراعية الأمريكية.. وقد يتصور البعض أن ألمانيا دولة صناعية متقدمة ولكنها أيضا دولة زراعية متطورة للغاية يلعب فيها القطاع الزراعي بشقيه الزراعي والحيواني دورا بارزا في تنمية الاقتصاد القومي الألماني.