إذا كان ما شهدته مصر في الأيام الماضية ثورة بكل المقاييس فإن الثورة لا تنشأ من فراغ. لكنها وليدة إرهاصات وأفعال مقاومة. أفاد شباب الثورة من إنجاز تكنولوجي مهم هو الانترنت كانت إمكانات الشبكة العنكبوتية هي القضاء الذي انطلقت في سمائه شعارات الثورة سبق ذلك -بالطبع- إرهاصات تمثلت في المظاهرات والاعتصامات والإضرابات التي شملت- علي فترات متقاربة- كل الأقاليم المصرية بالإضافة إلي الكتابات التي أدانت صراحة كما في الكثير من مقالات الصحف المعارضة والقومية أحيانا وفي العديد من الأعمال الإبداعية التي أشارت -في فنية مضمرة- إلي طريق الخلاص. حققت الثورة انطلاقتها بجماعات من الشباب المثقف تحركوا بعفوية لكنهم كانوا قد تأملوا المشهد جيدا بحيث تعمقت رؤاهم -وإرادتهم- بضرورة التغيير. فيما يتصل بهذه الصفحة فإني أشير إلي إبداعات مهمة لأدباء ينتمون إلي كل الأجيال وإلي وطن شغلتهم قضاياه. القوائم تطول في ما نشرته الصحف إدانة لمظاهر الفساد واستلاب الحقوق والتفريط في كرامة الوطن وثمة الإبداعات التي اختارت الفن تعبيرا عن رفضها لممارسات النظام الذي رحل ولعلي أشير إلي معطيات مبدعين اقتصرت -أو كادت- علي قضايانا الملحة وإن لم تجاوز معني الفن وقيمته. أهمل هؤلاء المبدعون اتهامات بأنهم يكتبون روايات سياسية وكما قال شيخنا الراحل نجيب محفوظ ردا علي القول بأن مسرحياته القصيرة لا ترقي إلي مستوي فئة الروائي- بأن الفن بلا قيمة ما لم تشغله قضايا الوطن شريطة أن يكون الفن كذلك بالفعل وليس مجرد عبارات إنشائية زاعقة بل إنه يصعب أن ننسب إلي الفن سذاجات لغوية متظارفة ودور النشر الخاصة طافحة بمئات النماذج أو تحاول النيل من قيم المجتمع بصرف النظر عن تقنيتها المتفوقة أشير علي سبيل المثال إلي رباعية داريل التي جعل منها أداة للنيل من الإسكندرية الموطن والمواطن. الكلمات -علي حد تعبير سارتر- مسدسات محشوة بالرصاص وكان ذلك رأي هؤلاء الذين جعلوا أقلامهم في خدمة التعبير عن قضايا أمتهم ومعاناتها وتطلعاتها أبدعوا -في صمت- ما يؤثر ويستشرف المستقبل.