باستقالة أحمد شفيق من رئاسة الحكومة وتكليف المهندس عصام شرف بتشكيل الحكومة الجديدة استجابة لنبض ميدان التحرير يكون نجاح الثورة قد اكتمل.. ودارت عجلة التغيير الحقيقي.. التغيير الثوري والجذري الذي لا تشوبه شائبة من الشك.. ولا يترك فرصة لهواجس العودة إلي الوراء. وكانت قد سبقت هذه الخطوة الحاسمة خطوات جادة علي طريق التغيير منذ أن تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة مسئولية إدارة شئون البلاد.. لعل أبرزها بلورة حزمة من التعديلات الدستورية تمهيداً لإقرارها.. وفتح ملفات الفساد في كل قطاعات الدولة.. والإعلان عن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة في ظل تعددية حقيقية وتحت إشراف قضائي كامل ببطاقة الرقم القومي.. فضلاً عن إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين في قضايا سياسية. وفي كل يوم تهب علينا الرياح بأخبار طيبة من قطاعات عديدة في الدولة استيقظت من نومها الطويل.. وبدأت تفكر بصوت عال من أجل إعادة ترتيب بيتهامن الداخل وإصلاح أوضاعها وتحقيق أحلامها. علي سبيل المثال.. الأزهر يعلن رغبته في أن يكون شيخه بالانتخاب.. والصحف القومية تطالب بأن يكون شغل المناصب القيادية فيها بالانتخاب.. والجامعات تطالب بإلغاء اتحادات الطلاب وتشكيل اتحادات جديدة علي أسس صحيحة.. والعاملون في المصانع والشركات يطالبون بنقابات حقيقية قوية.. قادرة علي انتزاع حقوقهم المغتصبة والمهدرة. وهذا كله أمر جيد.. وعلامة علي أننا نسير في الاتجاه الصحيح.. لكن المشكلة التي بدأت تظهر علي السطح وتهدد هذه الانجازات والطموحات بل تهدد الثورة ذاتها تهديداً حقيقياً هي توقف عجلة الإنتاج مع اتساع نطاق الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية.. وانهيار الأمن العام مع غياب الشرطة واتساع دوائر الانفلات والتسيب أمام البلطجية.. ومدمني الإجرام.. وانشغال الناس بالشعارات والشائعات والفتن التي يروجها أصحاب المصالح الخاصة. وشيئا فشيئا صار السؤال المطروح هو: كيف تسير الحياة بلا إنتاج وبلا أمن؟!.. وكيف تستقيم الثورة في مجتمع صار لا يعمل ولا ينتج ولا يأمن أفراده علي أنفسهم؟!.. وكيف يمكن إنقاذ الثورة من بعض الذين يخططون للقفز عليها ومصادرتها لحسابهم.. أو إفسادها وتعطيل مسيرتها؟! لقد جاءت الثورة في لحظة تاريخية كانت مصر في أمس الحاجة إليها.. أشعل جذوتها الشباب واحتضنها الشعب بكل فئاته وطوائفه.. جاءت ثورة بيضاء ناصعة طاهرة لصياغة مفاهيم سياسية حداثية في المجتمع.. تنقله من الاستبداد إلي الديمقراطية الحقة حتي نلحق بركب الحضارة الإنسانية.. لكن البعض يريد أن يضع الثورة في قالب ضيق.. ويحولها إلي مجرد هوجة شعبية للانقلاب علي القيم والأخلاق وإثارة الأحقاد والطعن في الشرفاء لإرهابهم. الثورة جاءت لتصنع سياسات وطنية تستهدف تحسين أحوال الشعب.. توفر فرص العمل أمام الشباب لينتج ويكسب رزقه بالحلال.. وتحقق العدالة الاجتماعية.. لكن الأمور بدأت تسير للأسف الشديد في الاتجاه المعاكس.. حيث تفرغ البعض لمعارك وخناقات يومية من أجل الصراع علي المكاسب. والمناصب. والعلاوات. والحوافز.. وتحولت مواقع العمل إلي ساحات حرب.. وتحولت الثورة إلي ثورات شخصية.. لكل فرد ثورته الخاصة التي يصفي بها حساباته مع الآخرين ويحقق بها أكبر قدر من الغنائم لنفسه. يا سبحان الله.. غابت مصلحة الوطن.. وغابت مصلحة الشعب.. وغابت الأهداف الكبري التي من أجلها ضحي الشباب بأنفسهم.. وأحضرت الأطماع الشخصية.. وأحضرت الأنفس الشح.. والأحقاد الدفينة. من يفكر اليوم في الركود الذي أصاب حياتنا؟!.. من يفكر في طعامنا وغذائنا الذي يوشك علي النفاد؟!.. من يفكر في كارثة توقيع بوروندي علي الاتفاقية المعادية لنا في حوض النيل؟!.. من يفكر في تحرشات العدو القابع علي حدودنا الشرقية والكوارث التي سنعاني منها بسبب ما يحدث علي حدودنا الغربية؟! لقد فتحت المدارس أبوابها للتلاميذ لكنها لا تعمل بجدية.. والمصانع لا تعمل بجدية.. والمحامون لا يعملون.. والمقاولون. والمهندسون لا يعملون.. وما كان هذا أبداً هدف الثورة. سوف تكون المهمة الأولي لحكومة المهندس عصام شرف إنقاذ الثورة من أولئك الذين يسعون لسرقتها أو إفسادها.. ومقاومة التلاعب والانفلات.. وإعادة الحياة إلي الاستقرار.. وإعادة الأمن إلي الشارع حتي يتسني للمواطنين أن يعملوا وينتجوا في أمان. ولابد أن نعمل نحن المواطنين علي إنقاذ الثورة من أوزارنا وحساباتنا الضيقة.. من يخلص للثورة اليوم فعليه أن يبدأ بنفسه.. أن يعمل وينتج.. ويمتنع عن الكذب والجشع والطمع.. ويمتنع عن إشاعة الحقد وإثارة الفتن. الثورة ليست مجرد كلمة تلوكها الألسنة. ولا مجرد شعارات طائشة يزايد بها أصحاب الحناجر والأصوات العالية الذين يجيدون ركوب الموجة.. وإنما هي قيمة انسانية راقية تطهر النفوس من أحقادها.. وتأخذ الناس إلي كل ما هو جميل ونبيل. * إشارات: * بودي أن أوجه رسالة شكر صادقة إلي المجلس العسكري رداً علي الرسائل الكثيرة التي أتلقاها منه ويتلقاها كل المواطنين علي التليفون المحمول.. والتي تشعرنا بأن الدنيا في مصر تغيرت فعلاً.. وأن غداً أفضل من اليوم. * أول شيء أفعله اليوم إن شاء الله أن أذهب إلي الجامعة حتي أملأ عيني من صورتها بدون حرس.. كنت أتمني أن يأتي هذا اليوم وأحمد الله أن مد في عمري كي أراه. * يجب أن يرتفع صوتنا في مصر.. وفي الجامعة العربية.. لرفض أي تدخل عسكري أمريكي.. أو من حلف الأطلنطي في ليبيا.. لأن هذا التدخل سيكون تهديداً مباشراً لأمننا القومي. * القذافي ليس رئيساً ولا ملكاً حتي يستقيل.. لكنه نمط فريد من الحكام.. يعيش في كوكب آخر.. ويسير عكس حركة التاريخ.. لذلك سوف يدمر شعبه ووطنه قبل أن يدمر نفسه وكل من حوله. * محكمة الجنايات تنظر اليوم قرار التحفظ علي أموال الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته.. سبحان من يغير ولا يتغير. * "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم".. صدق الله العظيم. * نكتة عاطف عبيد: "لم يتربح أحد أو يحقق أي مكاسب في عهدي". يا راجل.. كفاية تهريج * أهم لافتة يجب أن يرفعها شباب ميدان التحرير تقول: "حافظوا علي نظافة ثورتكم".