عقارب الساعة تشير إلي الرابعة فجراً.. رفاق رحلتي من بدو مدينة السلوم الحدودية يجهزون السيارة وبعض "جراكن" المياه وأدوات إعداد الشاي وبعض المأكولات.. ظاهر الأمر أننا في رحلة سفاري.. وهدفنا الأساسي أن نصل إلي مدينة طبرق أو البطنان الليبية.. وحتي نستطلع الصورة الحقيقية والواقعية عن ما يجري داخل أول مدينة ليبية.. لها مع مطروح خاصة ومصر عامة كل العلاقات والذكريات الطيبة. عقارب الساعة تتحرك في بطء شديد.. وقتها يزمجر موتور السيارة وتنطلق.. إنها مغامرة تقوم بها "المساء" لنقل الواقع علي الطبيعة.. السيارة تندفع وكأنها تعرف طريقها جيداً من خلال دروب صحراوية وعرة أحياناً ومستوية في أحيان أخري والبعض يحذر مازحاً من الألغام أو رجال حرس الحدود الليبيين الذين فروا.. ولكن السيارة لا تعبأ بهذا المزاح وتواصل سيرها إلي داخل الأراضي الليبية من الصحراء.. وفجأة وبعد مسير ساعة تتجه السيارة نحو الشمال حيث نصل شعبية "كمبوت" وهي تجمع أغلب منازله من دور واحد ولا شيء يوحي أن هناك شيئاً حدث فالكل يمارس حياته بشكل طبيعي بعد أن تحرروا من استعمار القذافي كما يقولون.. ولكن سيارتنا تواصل مسيرتها إلي مدينة طبرق أول البلديات "المحافظات" وأغلب سكانها لهم علاقات دم ونسب مصاهرة مع المصريين ولا تستطيع أن تعزلها عن أي مدينة من مدن مطروح..!! وصلنا إلي طبرق والساعة لم تعلن بعد الثامنة صباحاً.. حيث قصدنا منزل الحاج فرج.. والذي كان في انتظارنا وفقاً لاتصال تليفوني تم بينه وبين رفاقي من خلال تليفون شبكة المدار الليبية والذي يعمل في السلوم بشكل عادي..!! استقبلنا الحاج فرج في "مربوعته" وقدم لنا وجبة الإفطار وهي عبارة تمر وزيت زيتون وبعض الجبن وخبز ساخن مخبوز للتو..!! وبعدها بساعة بدأ بعض الأفراد في النوافذ حيث أكد الجميع أنهم لن يستغنوا عن المصريين وأن المصريين إذا كان القذافي لا يعرف هم صناع حضارة ليبيا الحديثة ومجدها. يقول عون سعيد الأصفر: إن أغلب هؤلاء الذين يتولون المناصب في ليبيا هم في الأصل تلاميذ لأساتذة مصريين وحين كانوا يمرضون كان يداويهم أطباء في مصر.. ومن إنشاء العمارة والبنيان في ليبيا مهندسين مصريين ويكفي أن نقول إن شركة المقاولون العرب هي التي أعمرت ليبيا وهي شركة مصرية. يضيف حكيم ميلاد البرعصي أن يد القذافي الآن مغلولة ولا ولاية له علي المنطقة الشرقية وإننا لن نفرط في ثورتنا لأنها ثورة الحق. أضاف ولكني أطالب كل المصريين بعدم مغادرة الجماهيرية لأنهم في حمايتنا وأبداً لن نفرط فيهم. أما شليف مرتاح العبيدي فيؤكد أن ما قام به الأشقاء في مصر عامة ومطروح خاصة من إرسال المساعدات الطبية والأغذية بكل حق هو ليس أمراً غريباً علي المصريين ونشكرهم علي حملاتهم للتبرع بالدم. ساعتان أمضيناهما في ضيافة الحاج فرج أنا ورفاقي قبل أن نستقل سيارتنا عائدين إلي الأراضي المصرية ولكن رحلة العودة كانت عبر الطريق الرئيس وعبر منفذ مساعد ثم المنفذ المصري وللحق كانت أعداد المصريين عند المنفذ الليبي ليست كبيرة وكذلك عند المنفذ المصري باعتبار أن أغلب الراغبين في العودة هم من بنغازي والبلديات الواقعة شرق طبرق. نعود إلي منفذ السلوم حيث بدأت أعداد القادمين في الانخفاض والحالة هادئة بعد خروج الجيش والأمن وعدم قدرة المرتزقة في الدخول إلي المناطق الشرقية ولكن الإعانات المصرية للأشقاء في ليبيا مازالت تتواصل وحملات التبرع بالدم في كل مدن مطروح.