كل الطرق جربناها.. لعلها توصلنا إلي روما.. أي فض مظاهرات ميدان التحرير التي تحولت إلي اعتصامات وإلي احتلال للميدان قطع شرايين العاصمة رغم بدء العمل رسمياً أمس. جربنا الحل الأمني وفشل.. ولا أدري لماذا جربناه ثم حولناه إلي فراغ وخواء تسبب في كارثة تدميرية للبلد ومجزرة بشرية.. وكنا دائماً نحذر من الوسائل الأمنية لحل المشاكل لأنها لا تحل ولا تربط بل توغر الصدور وتزيد النار في القلوب. .. وجربنا الحل السياسي وفشل أيضاً.. ولا أعرف لماذا جربناه هو الآخر والمظاهرات أساساً اندلعت انفجاراً من أوضاع وممارسات سياسية خاطئة ارتكبها بعض الأغبياء وورطت النظام كله.. ومصر من أقصاها إلي أقصاها. الآن.. لم يعد أمامنا سوي طريق واحد له فرعان: الحوار. والحكمة. *** الحوار انطلق بالفعل ولأول مرة بهذا الحجم حيث اجتمع عمر سليمان نائب الرئيس مع كل القوي السياسية بمصر بمختلف أطيافها للوصول إلي توافق في الرؤي حول كافة القضايا والتعهدات التي تعهد بها الرئيس مبارك في خطابه الأخير والبرنامج الزمني للتنفيذ. المنطق يقول إن هذا الحوار لابد له من سقف زمني لا يتعدي عشرة أيام حتي يتم بعده إنجاز كل التعهدات من تنفيذ قرارات محكمة النقض في الطعون الانتخابية وإجراء الانتخابات في الدوائر "سيئة السمعة" وتعديل بعض مواد الدستور والتي لن تقل عن ثلاث والقوانين المكملة للدستور.. وكل إجراء يجب أن ينتهي في فترة محددة حتي يتسني فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية في موعده. لذا.. نترك هذا الحوار جانباً حتي يصل المجتمعون إلي الرؤي المناسبة. *** ولأن هناك جموعاً غفيرة تقبع في ميدان التحرير وترفض الانصراف وتغذيها وتحقنها تيارات مختلفة بعضها من الداخل وأكثرها من الخارج وجميعها لها أجندات متشابكة وإن اختلفت ألوانها مما ينذر بخطر داهم علي مصر.. ناهيك عن تدخلات الخارج التي لا تتوقف.. تارة من أمريكا. وتارة أخري من بعض دول أوروبا التي تدور دائماً في الفلك الأمريكي. وتارة ثالثة من إيران وأتباعها. وتارة رابعة من قطر وجزيرتها.. فإنني أؤكد أن هذا هو وقت الحكماء. سألني سائل وهو يستعرض معي المشهد في ميدان التحرير: ألا يوجد في مصر رجل رشيد يقنع هؤلاء المعتصمين بفض الاعتصام إعلاء لمصالح الوطن؟ أجبته: في مصر الكثير من الراشدين.. وإليك سيدي بعضاً منهم: * الأزهر الشريف.. يكتظ بخيرة رجال الدين الإسلامي في العالم كله.. ويقيني أن كل واحد منهم لديه القدرة علي إقناع شعب بالكامل وليس بضعة آلاف. * الكنيسة الأرثوذكسية.. وهي الأخري تفيض بمئات من رجال الدين المعتدلين الذين يملكون بلاغة الكلام ومنطقه وحلاوته.. ولهم مواقف وطنية كثيرة ومشهودة. * مجلس الشوري.. ويطلق عليه أصلاً "مجلس الحكماء" بما يضم من رجال عظماء في شتي مجالات الحياة. إن كل عضو بالشوري هو "جامعة" متكاملة.. ويستطيع أن يهدئ النفوس. ويبرد القلوب. ويطفئ النيران المشتعلة في ميدان التحرير. كل عضو بالشوري يمكنه أن يقنع الآلاف بكوارث ما تفعله وبما يجب أن تفعله. وكل عضو بالشوري خاصة القانونيين منهم يجب ألا يبعد عن الحلول التي تتم مناقشتها أو عن التعديلات الدستورية المقترحة. *** وهناك جانب ثالث في أزمة ميدان التحرير.. لا هو حوار ولا هو حكمة.. بل إجراء شفاف يتلخص في ضرورة الإسراع في إعلان المتسببين في "كارثة" الفراغ الأمني يوم الجمعة 28 يناير و"مصيبة" دفع الشعب الواحد للاقتتال يوم الأربعاء 2 فبراير. إن دم الشهداء الذين سقطوا غدراً وغيلة مع سبق الإصرار بشكل عمدي.. نار في الأجساد والصدور.. سواء لأسرهم أو لنا جميعاً. أذيعوا أسماء "الخونة" وحاكموهم سريعاً حتي تهدأ أرواح الشهداء في القبور وتبرد النيران في الصدور ونطمئن علي يومنا وغدنا. أرجوكم.. ارحموا أسر الشهداء.. فهل هذا كثير؟.