الورش الصناعية ومخازن البضائع الموجودة داخل الكتل السكنية بالمناطق الشعبية قنبلة موقوته وتزداد الخطورة حين تحتل الأدوار العليا بالعقارات وتخالط السكان ويصدر عنها التلوث بشتي صوره فتزعج المرضي. وتقلق الاطفال. وتشوش علي الطلاب. وتمنعهم من المذاكرة أو الراحة. وعلي الرغم من أن القانون 724 لسنة 1992 يحظر وجود الورش بالأدوار العليا فإن ذلك لم يمنع وجود مثل هذه الورش داخل المساكن في مناطق عديدة مثل العتبة والموسكي والجمالية وباب الشعرية والحسين وغيرها.. والأخطر أن يلجأ التجار لتخزين بضائعهم في تلك المساكن وفيها مواد قابلة للاشتعال والانفجار مع غياب وسائل الأمان والاطفاء وضيق الشوارع التي تمنع دخول عربات المطافئ بسبب اشغالات الطرق. "المساء" تفقدت بعض المناطق الشعبية والتقت أصحاب الورش والأهالي ورؤساء الاحياء المعنية بالمشكلة في التحقيق التالي: يقول جميل عطية إمام "صاحب ورشة إصلاح شيش التدخين بحي الجمالية" إن مهنته مرتبطة بالمكان ولا يستطيع النقل خارجه. وإنه يدفع 300 جنيه إيجارا شهريا لصاحب العقار المكون من 3 طوابق ويجاوره ورشتان مساحة كل منهما 3 أمتار مربعة بالدور الثاني. وتتسبب في إزعاج السكان نظرا لعملهما لساعات طويلة أثناء الليل. حيث تصدر عن آلات تصنيع النحاس وصهر الحديد. وهذه الورش هي الأولي بالنقل لخطورتها. أما معرضي أو ورش إصلاح الذهب الكسر والفضة فلا خوف منها لأنها تعمل في هدوء. يوضح شريف ناصر "صاحب ورشة مكاييل الأوزان بباب الشعرية" إن العقار الذي تقع فيه ورشته ليس سكنا بل إن صاحبه صممه بالكامل 4 طوابق كورش ورغم أنه داخل الكتلة السكنية فإنه لا يسبب إزعاجا لأحد ونحترم حق السكان في الهدوء والراحة بمساكنهم. يؤكد كل من عصام كامل ومحمد سمير "صاحبي ورش لتصنيع الفضة بربع السلحدار بخان الخليلي" إنهم توارثوا الوش عن آبائهم منذ نحو 70 عاما. وهي مؤجرة من وزارة الأوقاف وهي تحتل بالطابق الثاني بالكامل حيث يضم ورشا متلاحقة للفضة والنحاس والمشغولات اليدوية ولا تسبب إزعاجا للسكان المجاورين. لكن أهم ما يقلقهم والمواطنون غياب وسائل الأمن الصناعي للحي بالكامل من جانب الدولة واقتصارها علي أصحاب الورش التي تستخدم النار مصدرا أساسيا في التصنيع. بشتي صوره. وطفايات الحريق هي الوسيلة المتاحة رغم أنها قد لا تكون صالحة لذلك ولا يوجد أي حنفيات للحريق. أما سمير محمد علي "صاحب ورشة تصنيع نحاس بالمغربلين" فيؤكد أنهم غير مستعدين للخروج من المنطقة لأي مكان آخر رغم الضجيج والتلوث لأن ذلك معناه قطع أرزاقهم فهناك ورش لجميع الصناعات والمهن من صهر حديد إلي تصنيع أخشاب ومهن أخري يشتهر بها المكان منذ زمن بعيد. وبعضها يوجد بالأدوار العليا للعقارات ولا توجد منها شكاوي من جانب السكان الذين يملك معظمهم هذه الورش رغم ما تسببه من اهتزازات دائمة وحمولات ثقيلة علي الأساسات المتهالكة الأمر الذي يدفع بعض الأهالي للتقدم بشكاوي للأحياء خوفا من انهيار المنازل فوق رءوسهم.. أما بالنسبة للحرائق فالدولة توفر حنفيات الحريق بالمناطق. يشير محمود شعبان "عامل بأحد مخازن حي الموسكي" إلي أن العمارة التي يوجد فيها المخزن 8 أدوار معظم شققها السكنية تحولت لمخازن بضائع لتكون قريبة من منافذ البيع. وان اصحاب تلك المخازن هم ضحايا الحملات التجارية بالدور الأرضي لتعديهم علي حرمة الشوارع وعدم تمكين المطافئ من الدخول لإخماد الحرائق. وبعض المخازن يحتوي علي مواد شديدة الخطورة مثل الألعاب النارية مما يشكل خطورة بالغة وقلقا دائما لسكان العقارات. ولابد أن تشدد الدولة رقابتها علي مثل هذه الأماكن وتوفر حنفيات الحريق وتلزم أصحابها بطفايات الحريق. أما المواطنون فكان لهم رأي آخر حيث يقول شعبان فوزي "أحد سكان العتبة" لابد من وجود أماكن بديلة للورش والمخازن المنتشرة بشكل كبير في المنطقة حتي في الأدوار العليا وتسبب خطورة كبيرة ودائمة للسكان. بسبب استخدامها للنار باستمرار مع وجود مصادر للاطفاء بشكل كامل بالاضافة للإزعاج المستمر الذي يجعلنا لا ننام إلا ساعات قليلة ولا يستطيع أولادنا المذاكرة لأن الورش تعمل ساعات طويلة ليلاً وتمنعهم من التركيز. أما أحمد إسماعيل فيشير إلي أن منطقة الموسكي والعتبة والحسين أصبحت قنبلة موقوتة بسبب غياب دور الأحياء وزحف الورش للأدوار العليا بين السكان وهو ما يضاعف الكارثة حيث يعانون تلوثاً هائلاً وخطراً دائماً علي حياتهم بسبب طبيعة نشاطها المزعج والمواد المخزنة التي تنذر بكارثة. أضاف: لابد من تفعيل القانون ونقل هذه الورش خارج الكتل السكنية وعمل أماكن مجمعة لهم ومنع أصحاب المخازن من احتلال الأدوار العليا التي يضعون فيها مواد قابلة للاشتعال والانفجار في أي لحظة في غياب الرقابة. يتفق معه كل من عادل خضير "باب الشعرية" وجاد الحق أنور "موظف" ويضيفان أن جميع دول العالم تقيم مجمعات صناعية للورش وينبغي تطبيق ذلك في مصر وتسهيل المواصلات وتحسين ظروف السكن لكن في ظل فساد المحليات وسوء التخطيط وغياب القانون انتشرت الورش وسط الكتل ورغم ذلك تعطيهم الأحياء التراخيص وتقنن أوضاعهم حتي وصلنا لوضع كارثي يهدد منطقة وسط البلد بالكامل وخصوصاً المناطق التجارية الشعبية مثل باب الشعرية والغورية والعتبة والموسكي التي يعيش أهلها حياة غير آمنة. يقول فوزي الشاوش "طالب" أسكن بشارع زمير الجيوشي بحي المغربلين والورش موجودة في كل مكان وأصبحنا محاصرين نعاني ضغطاً كبيراً وتوتراً دائماً يؤثر علي تفكيرنا ونعاني أمراضاً خطيرة بسبب التلوث الذي ينبغث عنها ليلاً ونهاراً وتزداد معاناة الأطفال والمرضي وكبار السن وتحولت حياتنا لمأساة والدولة تغض الطرف عن تلك المخالفات.. فهل يسمح القانون بمزاولة الورش لنشاطها بين السكان وفي الأدوار العليا؟! "المساء" نقلت هموم المواطنين لرئيس حي الأزبكية مصطفي عبدالعزيز والذي أكد أن من أهم أسباب انتشار تلك الورش علي هذا النحو هو الضعف الأمني الذي يصعب معه إزالة هذه المخالفات وعلي الرغم من ذلك فإن الحي يأخذ جميع الإجراءات القانونية وفقاً للقانون 724 لسنة 1992 الذي يحظر تحويل المساكن لنشاط صناعي أو تجاري في الأدوار العليا غير المصرح بها ذلك قطعياً لعدم ازعاج السكان وتعريضهم للمخاطر ولأن العقار يكون مؤسساً علي أنه سكني وليس صناعياً ومن ثم لا يتحمل الأحمال الزائدة الناتجة عن معدات تلك الورش وما تحدثه من اهتزازات تمثل خطورة علي حياة السكان. طالب رئيس الحي السكانب التصدي لمحاولات تحويل المساكن لأغراض صناعية كما طالب بتشديد العقوبة لتكون رادعة. أما اللواء ياسين عبدالباقي رئيس حي غرب القاهرة فيؤكد أن علي الحكومة توفير بديل لهذه الورش ونقلها نهائياً خارج التجمعات السكنية ودائماً تكون البدايات صعبة ولابد من إدارة حوار مع أصحاب الورش وإذا لم يستجيبوا يجب قطع جميع المرافق عنهم وعدم تجديد الرخص لهم. وعن الآثار السلبية للضجيج والتلوث الناتجة عن الورش داخل التجمعات السكنية يقول د.هاشم بحري رئيس قسم الطب النفسي إن من يتعرضون لهما يصابون بالتوتر والأرق الدائم ومع قلة ساعات النوم يصاب الإنسان باضطراب نفسي والعجز عن تحمل ضغوط الحياة والميل نحو العدوانية.