زخم الحياة يتسارع.. وعازف الناي يسند ظهره المثقل بهم الوطن وألم الوجيعة التي أصابت الجمع علي جذع شجرة التين التي عريت من هندامها الأخضر فينفخ في الناي بنفس متحشرج فتخرج أنغام لا أقول شجية ولكنها حزينة شديدة الكآبة لكنها تعبير صادق لما آل إليه حالة وحال من حوله من الأهل في البادية.. فلم يعد الأمن والأمان سمة ولم يعد للشهامة في الربوع وجود.. والرويبضة اعتلت المناصب وأصبح لها الرأي والمشورة وحاكم النجع الذي توسم فيه الجميع أنه سيعيد إليهم حقوقهم المسلوبة ويحقق لهم أمانيهم التي طال انتظارها فاستدار لهم وخلع عن وجهه قناع الزيف ليظهر لسكان النجع إن ما قاله لهم ما هو إلا وهم وسراب وأنه كان يلاوعهم حتي نال منهم مأربه فتنكر للكل ونسي أنه وعد وأسرف في الوعود حتي تخيل سكان النجع إنه سيفرش لهم رمال الصحراء وروداً.. ليستيقظ سكان النجع علي صراخ وجلبه وتقارع بالسيوف وتراشق بالألفاظ وتنتن في النفوس وأدرك الجميع أنهم يعيشون كابوساً وأنهم كانوا في الوهم غارقين وعرفوا أنهم إلي الهاوية سائرون فقد نضب الماء وبلي الرداء ومزقت أعاصير الفتن والعناد جوانب البيت فلم يعد يقيهم من برد قارس أو صيفاً قائظ فتحولت دروب النجع إلي أكمنة من البلطجية بلا وازع من ضمير وأصبح الرعب والخوف والقلق علي كل شيء ولما لا وقد قتل حاكم النجع في النفوس براعم الحلو وأطفأ السراج الذي كان لهم هداية فعاد بهم إلي الخلف سنين ورغم كل ما يتعرض له النجع من إذلال مازال عازف الناي ينفخ ألحانه المتناقضة بين أنغام يئس من شيء مرير قادم وبصيص من أمل بأن الحياة لن يوقفها ظالم أو جائر وأن هناك برعماً وليداً لم تطله يد التخريب سيترعرع ويشب عوده ليعيد للنجع آماله التي داستها سنابك خيل الحقد وتصفية الحسابات ولما كان سكان النجع بطبعهم لا يفقدون الأمل بسهولة وهو ما علمته لهم طبيعة الصحراء الوعرة فإنهم متفائلون ببزوغ الشمس علي البرعم حتي يكبر فيعيد لشجرة التين التي تعرت كساءها فتورق من جديد وتثمر وتعود الطيور لتصدح بأنغام التفاؤل ولتجبر عازف الناي الحزين ليغير أنغامه فقد قرب الغيم أن ينقشع وستهدأ العاصفة لا محالة.. وها هم سكان النجع يخرجون ليروا بزوغ الشمس التي كانت قد حجبت وترتسم علي وجوههم الشاحبة ابتسامة الوليد القادم المبلل وجهه بقطرات الندي الطاهر ليعيد للنجع حقوقاً سلبت وأماني نهبت وما يجعلنا علي أمل في الغد أن سكان النجع كلهم واثقون بأنه مهما أزلت الأبدان واتسخ الهندام يبقي الأمل طاهر واثق أن الأمن سيعود للنجع وتعود الأفراح للربوع فقد يحبس الجسد ولكن من يقوي علي مصادرة الأمل في النفوس. همسة: كل ظالم جائر لابد له عادل يقتص منه.