لكل منا في حياته حلم يسعي منذ الطفولة لتحقيقه وقد تأبي الأيام لظرف أو لآخر فيسير الطريق الجديد الذي كتب عليه.. إلا "محمد" "24 سنة" ثانوية عامة وبلا عمل فقد كان حلم حياته منذ الصغر أن يصبح "ضباط شرطة" بغض النظر عما إذا كانت مؤهلاته ومقوماته تتيح له ذلك من عدمه. فمحمد منذ الصغر وهو يرتدي ملابس ضابط الشرطة لتلتقط له الصور وهو طفل مع الأقارب والمعارف كضابط شرطة ويلعب بالبنادق والمسدسات البلاستيكية التي يفضلها دون غيرها.. كما أن أفراد أسرته اعتادوا مناداته بسيادة الضابط فتربي وترعرع علي هذا الحلم بالرغم من أن كثيراً من الأطفال فعلوا ذلك ثم عملوا بمجالات مختلفة إلا "محمد".. وفطوال مراحله الدراسية بالاعدادية والثانوية كان يقضي بالساعات في مراقبة ضباط الشرطة علي اختلاف تخصصاتهم من مرور لأمن مركزي حتي رجال المباحث في الأكمنة ليتقمص شخصياتهم أثناء تواجده بمفرده بمجرد نومه استعدادا لتحقيق حلمه. ومع وعد مستمر من خاله بدخوله كلية الشرطة أصبحت القضية واقعاً بالنسبة له ولكن في خياله فقط علي طريقة فيلم "لخمة راس" للفنان أحمد رزق.. حيث أتت الرياح بما لا تشتهي السفن حينما تقدم "محمد" لاختبارات كلية الشرطة ليفشل فشلا ذريعا وترفض الكلية انضمامه وهو ما رفضه عقله المريض. الأغرب أن "محمد" الذي حير ضباط مباحث الاسكندرية لم يعلم أحد منهم ان كانت أسرته تعلم طوال السنوات الطويلة بمرضه العقلي أم انها صدمت فيه مثل الآخرين. فمحمد عاشق الشرطة ومصاب بجنون السلطة قرر أن يحبس نفسه داخل حجرته "45 يوماً" لا يراه أحد وهي الفترة الأولي لدخول طلبة كلية الشرطة وإعدادهم لهذه الكلية المنضبطة.. والأغرب أنه حلق شعره علي الزيرو ليؤكد انها حلاقة الكلية.. وسارع بشراء بدلة طلبة كلية الشرطة وحقيبتهم وكان يظهر بها كل "خميس وجمعة" وسط الجيران والأصدقاء علي أنه عائد من الكلية أو مسافر اليها.. والجميع بمنطقة سكنه يدعون له بالنجاح وينادونه "الضابط محمد" ويجلس مع الأصدقاء علي المقاهي بملابس كلية الشرطة من باب الاستعراض ويعود ويختفي طوال أيام الأسبوع بشقته لايراه أحد ولا يسمح صوته حتي تأتي الاجازة الأسبوعية لطلبة كلية الشرطة وظل هكذا أربع سنوات كاملة يعيش الوهم تاركا حياته تسير في طريق مظلم لا تعليم ولا دراسة ولا عمل. لم يكتف بذلك بل ارتبط بالعديد من قصص الحب كضابط شرطة .. يحكي مغامراته في الكلية.. ثم عمله فتارة يعمل بمديرية أمن الإسكندرية وتارة أخري بإحدي المحافظات القريبة حتي يتمكن من التواجد بمنزله أسبوعياً.. والأغرب ان خياله المريض لم يكتف عند انتحاله الصفة.. بل أصبح يستخرج من الكمبيوتر صوراً لضباط الشرطة الملازمين بقطاع الأمن المركزي ليضع صورته بدلا منهم ويطبع الصور علي أنها صوره الشصخية.. أو يضع صوراً له بدلا من وجوه ضباط الشرطة بالملابس الصيفية ثم الشتوية وهو يحمل الأسلحة الآلية أو يصطحب كلاباً بوليسية حسب أهوائه الشخصية. أصبحت قصصه البطولية تسرد بمنطقة سكنه عن كيفية ضبطه علي المجرمين.. والأكثر غرابة انه شرع من تزوير كارنيه بحمل صفته كضابط شرطة وتوجهه إلي المحال المخصصة لبيع ملابس الشرطة ليقدم نفسه عي أنه ضابط تارة ملازم.. ثم ملازم أول وظل يرقي نفسه حتي وصل إلي نقيب حتي قبض عليه قبل ان يضع رتبة جديدة. سنوات طويلة وهو يعيش الوهم حتي كانت السقطة الأولي عام 2010 حينما قرر ان يكون أكثر تواجدا بين قوات الشرطة فأخذ يدخل الأقسام لانهاء المصالح للمواطنين أو يلتقي بضباط بالأكمنة فيتحدث معهم علي أنه زميلهم من محافظة أخري أو يصادق الجنود والأمناء الذين يجهولون هويته لتزداد لديه الأحلام الوهمية.. حتي توجهه استراحة ضباط الشرطة بالمعمورة لرغبته في الاصطياف مثله مثل أي ضابط وفي المرة الأولي يشك فيه أحد أو الثانية ثم كانت الثالثة عندما ارتاب في شأنه قوة الحراسة لتردده المستمر علي المصيف وكأنه بلا عمل يجلس ليل نهار ويتجول بمنطقة المعمورة بملابس الشرطة بالرغم من المفروض انه في اجازة فتم الابلاغ عنه وبالفعل تم ضبطه ليتبين للجميع انه "عاطل" وتم احالته غيابيا لجنح المنتزه حيث صدر عليه حكم بالحبس "عام". بالرغم من ذلك فان "محمد" لم يتعظ ولم يبحث عن عمل بعد ان ضاع مستقبله.. واستمر في كذبه وتجوله في الأقسام لأنهاء المصالح والخدمات ويتضح فيما بعد انه نصاب وهكذا.. لتتعدد البلاغات ما بين قسمي الرمل والمنتزه منطقة تحركه.. لتأتي السقطة الثانية.. حينما توجه "النقيب محمد" وهي الترقية التي منحها لنفسه بعد الثورة حينما توجه عام 2011 للمرور علي الخدمات والأكمنة وهو يستقل سيارة تاكسي للأشراف عليها.. وبالطبع كان يسمع عن الأكمنة والخدمات من صداقاته للأمناء والأفراد الذين يعتقدون انه بالفعل ضابط شرطة.. وأثناء مروره شك فيه أحد أمناء الشرطة والقوة المصاحبة له فأسرعوا بالابلاغ عنه ليتم القبض عليه للمرة الثانية بتهمة انتحال الصفة ويحال غيابيا من جديد لمحكمة جنح الرمل ويحصل علي حكمه الثاني بالحبس "عام" لتصبح فضيحته علي كل لسان بالمنطقة بعد ان شاع الأمر بين الأصدقاء والجيران وعجزت والدته هذه المرة عن مواجهة الجميع فقامت بالانتقال به الي منطقة الهانوفيل بالعجمي غرب الاسكندرية. هناك بدأت البلاغات تتعدد أمام اللواء أمين عز الدين مدير أمن الإسكندرية حول قيام ضابط شرطة بفرض نفوذه بالمنطقة وفي نفس الوقت يستقل الميكروباص ويجلس علي المقاهي دون ان يدفع ثمن مشروباته وهو ما أثار الريبة في نفوس لجميع.. فأمر اللواء "ناصر العبد" مدير مباحث الاسكندرية بتشكيل فريق للبحث والتحري حول الضابط المبتز للمواطنين برئاسة المقدم عاطف أبوالعطا رئيس مباحث الدخلية ومعه الرائدان محمد التهامي وأحمد سليم ليبين ان النقيب ما هو الا نصاب هارب من حكمين بالسجن ويحمل سلاحاً غير مرخص وفي كمين مفاجئ علي شقته تم ضبطه وعثر علي 2 كارنيه شرطة مزورين أحدهما برتبة نقيب وآخر ملازم أول بورته وأسمه.. وفانلة صوف مماثلة لما يرتديه ضباط الشرطة عليها اسبليت برتبة "نقيب" و2 اسبليت برتبة ملازم أول و"2" بار ميري أسود اللون و"2" صقر نحاسي خاص بالزي الأميري و"11" قايش أميري وبنطلون زيتي اللون وفانلة صوف زيتية اللون وخاتم يحمل بصمة باسم "محمد الشامي" ضابط شرطة بالاضافة إلي كميات هائلة للمتهم من الصور بتدريبات الشرطة والملابس الصيفية والشتوية لقطاعات مختلفة وللمحافظات ثم تركيب وجهه علي الصورة الأصلية بالاضافة الي صور شخصية للكارنيهات وهو يرتدي الملابس الرسمية. بمنتهي البساطة اعترف المتهم انه عاشق للشرطة وحلم حياته ا ن يصبح ضابطا وان من حقه ان يكون ضابطا طالما يملك المؤهلات لذلك فأحيل إلي "محمد الويشي" رئيس نيابة الدخيلة الذي أمر بحبسه أربعة أيام علي ذمة التحقيقات واتخاذ الاجراءات اللازمة ضد القضايا والاحكام الصادرة ضده والاستعلام عنه بكلية الشرطة لبيان ما اذا كان قد سبق له الالتحاق بها من عدمه.