ليس منطقياً ولا مستساغاً أبداً أن يُحاسب صحفي علي رأيه مادام لا يتعارض مع القانون. أو أن يُمنع من أداء رسالته دون سند. أو أن تغلق نقابته لمجرد اختلاف وجهات النظر مع المسئولين أو معارضة أيديولوجيتهم. من حق كل صحفي أن يعلن رأيه بحرية.. يؤيد أو يعارض. يشيد أو ينتقد ولو بعنف في إطار القانون. أما تكميم الأفواه وانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات.. فإن ذلك لا يمت للديمقراطية بأية صلة. لذا.. فإن ما حدث مع نقابة الصحفيين بقطاع غزة من اقتحام وإغلاق.. أمر مرفوض ويندي له الجبين. *** إن حركة حماس منذ ابتلي القطاع بها.. تتبع سياسة "إخراس" أي صوت معارض. وتفرض نظرية الصوت الواحد في كافة مجالات الحياة. ضحايا هذه السياسة وتلك النظرية كثيرون وفي مقدمتهم الصحفيون الذين يتعرضون لمضايقات كثيرة وانتهاكات أكثر تصل إلي حد الاعتداء الوحشي وسوء التعامل.. ناهيك عن القيود علي توزيع الصحف ومنع كل ما هو ضد حماس وسياستها.. وأخيراً إغلاق مقر النقابة بالضبة والمفتاح كما يحدث في الدول ذات الحكم الشمولي. لقد وصل الحال بأي صحفي في غزة إلي أنه لا يشعر بالأمان علي حياته ومستقبله.. يزن كل كلمة يكتبها بميزان حساس.. يشعر بوجود شرطي أو رقيب داخل رأسه يوجهه و"يفرم" أفكاره ويمحوها أو ينسفها ويدفنها. *** إن التجاوزات التي يتعرض لها الصحفيون في غزة وآخرها إغلاق نقابتهم هي انعكاس صارخ لحالة التردي والتخبط السياسي هناك والانقسام الفلسطيني ومحاولات حماس إغراق كافة المؤسسات النقابية عامة والصحفيين خاصة في دوامة "الجذب السياسي" إليها بعيداً عن باقي الفصائل الفلسطينية. لقد أصبح الصحفيون في القطاع بين مطرقة حماس وسندان إسرائيل.. وصاروا هدفاً مميزاً للاعتداءات الغاشمة من الحمساويين والإسرائيليين.. علي حد سواء. *** إنني- كصحفي- أدين بأشد عبارات الإدانة هذا الاعتداء الأهوج الذي ارتكبه مجموعة من المسلحين التابعين لحماس حينما اقتحموا مقر نقابة الصحفيين الفلسطينيين في غزة وطلبوا من "حملة الأقلام" إخلاء المقر وإغلاقه.. إنها الديمقراطية علي الطريقة الحمساوية!! المفروض أن هذه النقابة تخدم كافة أطياف الصحفيين الفلسطينيين.. وتؤدي رسالة إعلامية سامية هدفها التنوير وطرح الآراء والرؤي المختلفة باستقلالية بعيداً عن تناحر وانقسام الفصائل. لكن.. وللأسف الشديد.. فإن هذا الهدف السامي لا يمكن أن يجد له أرضاً خصبة ينمو فيها ويتفرع في ظل تشدد مقيت يصل إلي حد التطرف. وأثرة سوداء تؤمن بمقولة: أنا وبعدي الطوفان.. مثلها مثل الجماعات المحظورة والأنظمة ذات الأجندات الخاصة والأحزاب العسكرية التي تحارب بالوكالة.. الكل مرتبط بخيط واحد.. والكل سواء في القماشة. والفكر. والأسلوب.. والغموض. وما أكثر الأغراض.. التي هي حتماً أمراض!!