في مجموعته القصصية "باب حارتنا" يعتمد الكاتب ملاك سرور علي خاصية الحكم الواقعي. وفي هذا الاطار جاءت الحماسة الأدبية واضحة علي الكثير من قصص المجموعة لدرجة أنها استدرجت الكاتب لمنطقة بدت فيها بعض القصص بمثابة ريبورتاج. فيها قصة في انتظار مقابلة الرئيس كمثال ومعها قصة الطوفان . كما أن أكثر من قصة وقعت في حبائل الافاضة والاسهاب. ففي قصة "في انتظار مقابلة الرئيس" نحن أمام عنوان أفقي يستلفت الانتباه. والمقابلة المنتظرة تمثل الملاذ الأخير لرجل بسيط أنهكه البحث عن ابنته الوحيدة الضائعة. إذ بعد أن أعيته الحيل وجاب مدناً وشوارع وحارات وبحث في المستشفيات وأقسام الشرطة ولم يترك وسيلة إلا استخدمها. لم يتبق أمامه إلا الكتابة للرئيس لكي يساعده في العثور علي ابنته. فمعني يحلم بهذه المقابلة التي اندهش منها سائق التاكسي الذي أقله إلي هناك. كما يستمر الحكي في قصة "الطوفان" علي نفس الايقاع مضافاً إليه مشهدية الوصف. وهي أيضاً من خصائص السيناريو أكثر من خصائص القصة. إلا أن هذه المشهدية أتاحت للكاتب أن يستنبط منها ويبن عليها.. "سارت في طريقها متباطئة ضاغطة بأقدامها علي الأرض المبللة لتحدث ايقاعاً رتيباً بشخللة خلخالها فيتناغم مع اهتزازات جسمها المكتنز بارتعاشات مثيرة وكأنها تذكر بلياليها حين كان ترقص بين جموع القرية في الأفراح والموالد.. الخ" ص.21 أما الفلاش باك فقد بدأ توظيفه واضحاً في نفس سياق الحكي في قصتي "نقوش بارزة علي حافة الذاكرة. باب حارتنا" وإن بدا حرص الكاتب في أن يكون الأسلوب أكثر إحكاماً حيث تكشفت لنا جهوده في الصياغة وتماسك البناء. كما استخدمه أيضاً في قصة "يوسف يمنح العودة". لكنه كان أكثر انسيابية وأكثر تواصلاً مع الرؤية القصصية في قصة "باب حارتنا" في اطار رصد الكاتب المستمر للتحولات التي جرت علي الواقع. فقد أصبح الطفل ابراهيم والطفل يوسف في وضع اجتماعي حقق كل منهما من خلاله مستوي معيشيا أفضل بدرجة كبيرة. فابراهيم عائد من الغربة بالمال ويوسف حقق نجاحاً في التجارة. وهاهما بعد مضي السنوات الطويلة يلتقيان فيستعيد الذكريات الحارة وتاريخية بابها في صد كل محاولات غزوها وحمايتها من اللصوص وصفاء العلاقة التي كانت بينهما كأصدقاء وجيران.. الخ. القصة جاءت محملة بحميمية عكست تجذر العلاقة الدينية والاجتماعية والثقافية بين المسيحيين والمسلمين. وهذه الإلماحة القلقة من الكاتب لا تعد دليلاً علي أن التجذر قد تخلخل سوي في ظواهر مفتعلة. أعود لعنوان المجموعة "باب حارتنا" وهو بالفعل معبر عن عالم القصص وحامل لدلالاتها وكاشف عن الجهود الإبداعية التي انطوت عليها. لكنني أريد بعيداً عن التبرير المجازي أن أسأل الكاتب وكل كتاب القصة والرواية عن الحارة في القرية والمدينة. فالحارة في المدينة معروفة بمعالمها وقد قاربها لنا العظيم نجيب محفوظ ومحمد جلال وجمال الغيطاني. لكنها في القرية تكاد تكون غير موجوة. مع أن الكاتب كان حريصاً علي وجودها طوال الوقت وفي أكثر من قصة وربما لم يعد له وجود بعد التحولات العمرانية التي جرت علي القرية المصرية. تجلت جهود الكاتب ملاك سرور الإبداعية في قصص علي سبيل المثال "معاهدة حمدي كباكا". "النوم في احضان قطة". "تحت اكتوبر" لأنه لجأ فيها لصوت ذاته فأطلق له العنان لكي يعبر بصوتها كما انفعلت به وتلامست معه وهي بعيدة عن ذهنيته التي كان حضورها طاغياً في القصص المشار إليها سابقاً. كما مضي الكاتب مع قصصه وهو يرصد متغيرات وظواهر جرت علي الأماكن والبشر كما لاحظنا في اطار يقترب به من قضاء الرواية. إذ يمثل فيه باب الحارة بوابة دالة علي تفاصيل بدا فيها البعد الإنساني هو هاجسها الجوهري والذي استمر يشغل رؤية الكاتب بامتداد المجموعة والتي بدت قصصها بمثابة فصول روائية.